في خطوة تكشف بوضوح مدى تحوّل السيادة المغربية إلى ورقة مساومة أمنية، أعلن الإعلام العبري مؤخرًا أن شركة BlueBird Aero Systems التابعة للصناعات الجوية الصهيونية قد افتتحت مصنعًا لإنتاج الطائرات الانتحارية المسيرة من طراز SpyX بمنطقة بنسليمان قرب الدار البيضاء. هذه المنشأة العسكرية ليست تجسيدًا للتطوير التكنولوجي، بل مؤشر خطير على تزايد التبعية المغربية للكيان الصهيوني، وتحويل التراب المغربي إلى امتداد صناعي عسكري للكيان الصهيوني.
ما كُشف عنه من تفاصيل في التقارير لا يمكن تجاهله: الطائرة SpyX قادرة على حمل رأس حربي يزن 2.5 كلغ، وتطير بسرعة تقترب من 250 كلم/ساعة، وتكمل مهامًا ذاتية تصل إلى 90 دقيقة. وفقًا لهذه المصادر، تم اختبارها بالفعل من قبل الجيش المغربي في مارس 2024. ولهذا المصنع، الذي يُعد أول منشأة من نوعه للشركة الإسرائيلية خارج الكيان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد أولوية استراتيجية واضحة من الرباط.
المؤسف أن الرباط تسوّق هذا المشروع الأمني على أنه “استقلال أمني”، بينما الحقيقة هي استنساخ صناعي لخيار عسكري صهيوني يُنقل إلى المغرب، مع تدريب مهندسين مغاربة على تجميع هذه الطائرات وصيانتها محليًا. هذا التعاون لا يعبّر عن شراكة متكافئة، بل عن تسليم تكنولوجيا قاتلة لإسرائيل داخل الأراضي المغربية، ما يعني أن الرباط تمنح تل أبيب القدرة على توسيع نفوذها العسكري إلى شمال إفريقيا.
وفي ظل هذا الاتفاق، يبدو أن فرنسا، التي كانت المورد الدفاعي التقليدي للمغرب، تفقد الدور الواحد تلو الآخر. فالمغرب لم يكتف بشراء هذه الدرونات فحسب؛ بل اشترى أنظمة دفاع متقدمة مثل “باراك-8” و”سبايدر” الصهيونية، بالإضافة إلى مقذوفات متطورة وصواريخ موجهة من شركات صهيونية مثل “إلبيت” و”الصناعات الجوية الإسرائيلية”. هذا الانسلاخ عن فرنسا بات واضحًا في أولويات التسليح المغربي.
وهنا يُطرح سؤال جوهري: لماذا هذا العبور الاستراتيجي من فرنسا إلى إسرائيل؟ الجواب بسيط: الرباط تبحث عن شريك أمني يتجاوز تبعيتها الأوروبية، لكنها تفعل ذلك على حساب سيادتها وعلى حساب استقرار المنطقة. هذا المصنع لا يخدم المغرب وحده؛ بل يخدم الكيان الصهيوني، ويمنحها موطئ قدم في منطقة جيوسياسية حساسة للغاية.
الجزائر، في المقابل، بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز موقفها الدولي والدفاعي، ليس فقط من أجل قضية الصحراء الغربية، بل من أجل أمن المنطقة ككل. هذا النوع من المشاريع لا يمكن تجاهله، ويجب أن يكون موضوع رد عربي وإفريقي صريح، ليس بمساحات الدفاع فقط، بل بالضغط الدبلوماسي والتعبئة الشعبية.
خلاصة القول: ما يحصل في بنسليمان ليس إنجازًا مغربياً، بل خيانة استراتيجية. فتح مصنع أسلحة صهيوني على الأراضي المغربية ليس تطورًا دفاعيًا، بل إعلان ضعف سياسي وضمّ الكيان الصهيوني إلى “نمط حياة” المغرب. والمطلوب اليوم أكثر من مجرد الكلام: مواجهة استنساخ الاحتلال الاقتصادي والعسكري بخيار سيادي حقيقي، قبل أن تصبح القوات الإسرائيلية جزءًا من مشهد عربي مغاربي يُعاد فيه رسم الخرائط الأمنية لصالح أجندات خارجية.
