لم يعد بإمكان المخزن الاحتماء خلف الدعاية أو الإيهام بأن العالم يجهل حقيقة الصحراء الغربية. فمقال صحيفة الإندبندينتي الإسبانية جاء ليضع الأمور في نصابها القانوني الصريح: كل ادعاءات المغرب حول “حقه التاريخي” و”سيادته” على الإقليم لا قيمة لها في ميزان القانون الدولي. ليس الأمر نقاشًا سياسيًا أو تأويلًا صحفيًا؛ بل تفكيك قانوني دقيق يثبت أن الخطاب المغربي مجرد وهم تحاول الرباط تكراره حتى تصدقه هي قبل غيرها.
المقال يوضح بجلاء أن “مذكرة إعادة تأكيد حقوق المغرب”، التي قدّمها المخزن لإسبانيا، ليست سوى محاولة يائسة لتغليف مشروع غير شرعي بورق قانوني مزيف. فالمغرب لا يملك أصلًا أي حق سيادي معترف به دوليًا على الصحراء الغربية، وبالتالي لا يمكنه “تأكيد” ما لا يملكه. وفي المقابل، كانت إسبانيا — قبل انسحابها — تملك وضعًا قانونيًا يتيح لها ترسيم بعض المناطق البحرية المحاذية لجزر الكناري، الأمر الذي يحاول المخزن اليوم توظيفه كمبرر هزيل لتمديد حدوده البحرية فوق إقليم لا يعود إليه.
وتنسف الصحيفة الإسبانية واحدة من أكبر الخرافات المخزنية: الادعاء بأن تعيين مناطق اقتصادية خالصة أو “مناطق سيادة بحرية” يعطي المغرب شرعية على الصحراء. فالقانون الدولي، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، يمنع الدول من استغلال مياه أو أجواء إقليم غير خاضع لسيادتها القانونية، فأيّ محاولة لترسيم حدود بحرية فوق الصحراء ليست مجرد خطأ سياسي، بل خرق مباشر لأحد أكثر النصوص القانونية وضوحًا في النظام الدولي.
الأخطر، كما يقول تحليل الجريدة، هو أن أي اتفاق ثنائي بين المغرب وإسبانيا حول مياه أو أجواء الصحراء يُعد باطلًا ولاغيًا ما لم يحصل على موافقة الشعب الصحراوي. فالمبدأ المقدس هنا هو “تقرير المصير”، وهو ليس شعارًا، بل قاعدة قانونية قاطعة تمنح الشعب الصحراوي وحده حق التصرف في موارده وأراضيه ومجاله البحري والجوي، وبالتالي، لا إسبانيا تملك الحق في منح المغرب شيئًا لا يخصها، ولا المغرب يملك سلطة طلبه أصلاً.
هذا التحليل الإسباني لا يفضح فقط هشاشة الموقف المغربي، بل يكشف تخبط المخزن نفسه، الذي يحاول التستر وراء لغة تقنية، واقتباسات من قوانين بحرية، ومسودات “تفاهمات” لخلق وهم قوة قانونية غير موجودة. الحقيقة أن الرباط تدرك تمامًا أن الشرعية الدولية لا تقف معها، لذلك تحاول الالتفاف عليها عبر الصفقات والغموض القانوني والضغط السياسي. لكن الأمر يشبه محاولة بناء قصر فوق الرمال: مظهر خارجي ضخم، وأسُس منهارة بالكامل.
النتيجة النهائية التي يخلص إليها المقال صادمة لمن ما زال يصدق الرواية المغربية: لا يوجد سند قانوني واحد يعطي المغرب أي سيادة على الصحراء الغربية. وكل محاولاته لترسيم حدود، أو توقيع اتفاقات، أو فرض أمر واقع، لا تتعدى كونها مناورات سياسية فاشلة يصطدم أولها بقرارات الأمم المتحدة، وآخرها بأحكام محكمة العدل الأوروبية التي أكدت أن الصحراء “إقليم منفصل ومتمايز”.
ومع استمرار انكشاف هذه الحقائق في مراكز القرار الأوروبية، ومع كل صفعة قانونية جديدة، يجد المخزن نفسه أمام مرآة تظهر حجمه الحقيقي: دولة تحاول شراء اعترافات، بدل أن تكسب شرعية، وتُلفق روايات بدل أن تواجه الواقع. أما القانون الدولي، الذي لم يتلوث ببروباغندا المخزن، فلا يترك أي مجال للالتباس: الصحراء ليست مغربية، ولن تكون كذلك مهما حاول المخزن تدوير خطابٍ يستند إلى الفراغ.
