الأربعاء 09 جويلية 2025

انضمام الجزائر إلى معاهدة “آسيان”… نحو شراكة استراتيجية برؤية عالمية

نُشر في:
بقلم: دزاير توب
انضمام الجزائر إلى معاهدة “آسيان”… نحو شراكة استراتيجية برؤية عالمية

في خطوة استراتيجية تعكس توجّهها نحو تعزيز حضورها في التكتلات الإقليمية والدولية، انضمت الجزائر رسميًا إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN) خلال قمة وزراء الخارجية في العاصمة الماليزية كوالالمبور اليوم الأربعاء، بحضور وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف.

وتمثّل هذه الخطوة تحوّلًا نوعيًا في السياسة الخارجية الجزائرية، وترسيخًا لخياراتها المتعددة الأقطاب، ومقدمة لشراكات اقتصادية وسياسية جديدة في منطقة تُعد من أكثر مناطق العالم حيوية من حيث النمو الاقتصادي والدور الجيوسياسي.

أولًا: ما هي معاهدة الصداقة والتعاون في آسيان؟

تُعد معاهدة آسيان (TAC) وثيقة أساسية اعتمدتها دول رابطة آسيان منذ عام 1976 لتنظيم العلاقات بين أعضائها وشركائهم الدوليين على أساس مبادئ احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية.

وقد انضمت إليها على مر السنين قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، الصين، روسيا، والاتحاد الأوروبي، وكذلك عدد من الدول العربية والإفريقية.

الانضمام لا يعني العضوية في آسيان، لكنه يشكّل قاعدة للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني مع دول الرابطة.

ثانيًا: لماذا تسعى الجزائر إلى الانفتاح على آسيان؟

التحرك الجزائري يحمل عدة دلالات، من أبرزها:

1. تنويع الشراكات الاقتصادية:

الاقتصادات الآسيوية، خاصة في جنوب شرق آسيا، تعرف نموًا متسارعًا، وتشكّل أسواقًا واعدة لتصدير الطاقة والمواد الأولية، وأيضًا لاستيراد التكنولوجيا والخبرات الصناعية، الجزائر التي تسعى لتقليص اعتمادها على أوروبا، تجد في آسيان شريكًا بديلاً ذا وزن اقتصادي واستراتيجي.

2. تعزيز الحضور في جنوب-جنوب:

الانخراط في آسيان ينسجم مع سياسة الجزائر الداعمة للتعاون بين دول الجنوب، خاصة وأن الجزائر تحتفظ بعلاقات تاريخية مع عدد من دول آسيا مثل إندونيسيا وفيتنام وماليزيا، وتتقاطع معها في قضايا التحرر، السيادة الوطنية، وإصلاح النظام الدولي.

3. دعم التوازنات الجيوسياسية:

في عالم متعدد الأقطاب، تسعى الجزائر إلى لعب دور الوسيط والتوازن، وانضمامها إلى معاهدة آسيان يمنحها منصة جديدة لتعزيز هذا الدور، خاصة في الملفات الدولية المرتبطة بالطاقة، الأمن الغذائي، والمناخ.

ثالثًا: التحديات والفرص

التحديات:

الحاجة إلى أدوات دبلوماسية واقتصادية فاعلة في التعامل مع شركاء آسيويين يتمتعون بديناميكية عالية.

المنافسة القوية داخل آسيان بين القوى الكبرى، ما يتطلب من الجزائر سياسة خارجية متزنة وغير منحازة.

الفرص:

الولوج إلى منطقة التجارة الحرة الآسيوية، وتعزيز التعاون في قطاعات استراتيجية كالتكنولوجيات الحديثة، التحول الطاقوي، التعليم العالي، والسياحة.

جذب استثمارات آسيوية، خصوصًا في مجالات البنية التحتية، الزراعة، والصناعة التحويلية.

رابعًا: البُعد الرمزي والدبلوماسي

انضمام الجزائر إلى معاهدة آسيان يحمل بُعدًا رمزيًا مهمًا، فهي أول دولة مغاربية تتخذ هذه الخطوة، مما يعكس طموح الجزائر في لعب أدوار تتجاوز المجال الإقليمي إلى الساحة العالمية.

كما يتقاطع هذا المسار مع الرؤية الجزائرية لعالم أكثر توازنًا، وأكثر إنصافًا في التمثيل داخل المنظمات الدولية.

ختامًا

انضمام الجزائر إلى معاهدة الصداقة والتعاون في آسيان ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو خيار استراتيجي يندرج ضمن إعادة رسم خريطة الشراكات الدولية للجزائر في مرحلة ما بعد الأحادية القطبية.

النجاح في هذا المسار يتطلب دبلوماسية نشطة، واقتصادًا منفتحًا، وتوجها عمليًا لتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع دول جنوب شرق آسيا، بما يحقق المصالح الوطنية الجزائرية، ويعزز حضورها في النظام الدولي الجديد، وهو ما يتوفر في الجزائر القارة بإمكانياتها الطبيعية، المادية، والبشرية.

رابط دائم : https://dzair.cc/of2q نسخ