21 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 21 أكتوبر 2025

بعد زيادة 2.5 بالمائة (2.8 مليار درهم) في مشروع مالية 2026.. القصر يزداد ثراءً والمغاربة يزدادون فقراً: ميزانية ملكية تفضح وهم “الدولة الاجتماعية”

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
بعد زيادة 2.5 بالمائة (2.8 مليار درهم) في مشروع مالية 2026.. القصر يزداد ثراءً والمغاربة يزدادون فقراً: ميزانية ملكية تفضح وهم “الدولة الاجتماعية”

في زمنٍ تشتعل فيه شعارات “جيل زد” في الشوارع، ويُهتَف “الكرامة أولاً”، أعلنت المملكة المغربية في مشروع قانون المالية لسنة 2026 تخصيص 2.8 مليار درهم (نحو 270 مليون دولار) لقصرٍ ملكي لم تُفصح موازنته منذ عقود، منها 643.6 مليون درهم لأجور الأعوان والموظفين، و1.542 مليار درهم لنفقات التسيير والمعدات وصيانة الإقامات، و517.1 مليون درهم لمخصصات السيادة. رقمٌ ارتفع بنسبة 2.5٪ عن سنة 2025.

وفي الوقت نفسه، يعيش أكثر من 2.5 مليون مغربي تحت عتبة الفقر، حيث يكشف المتغيّر اليومي أن “الدولة الاجتماعية” مجرد شعار يتردد في الخطب بينما تُنفق الأرقام الكبرى خلف الأسوار بعيدا عن إرادة الشعب المغربي وآماله بتوزيع عادل لثروته، التي يصر القصر الملكي وعائلة الملك على الاستحواذ عليها والإلقاء بالفتات للمغاربة.

هذا المشروع المالي — رغم التغطية الإعلامية الملكية — لا يعدو أن يكون غطاء تجميليًّا للمخزن الذي يحاول، كعادته، شراء الهدوء بملايين يحظى بها “جلالة الملك”، بينما تُنهب رواتب الموظفين في الريف والمناطق النائية. ليس هناك إصلاح حقيقي في التعليم أو الصحة أو التشغيل، لكن هناك استمرارية في إنفاقٍ يُموّه بأنه “سيادة” بينما الواقع يقول إن السيادة اليوم هي للدولة التي تشتغل بلا مساءلة.

والأدهى أن هذه الأرقام تأتي بعدما كشفت تسريبات هاكرز مثل مجموعة جبروت (Jabaroot) عن أسرار القصور ورواتب كبار المسؤولين، ما جعل ميزانية القصر مؤشرًا ليس فقط على الفخامة والأبّهة الملكية في مقابل تفقير ممنهج للشعب، بل على سخرية النظام المخزني من الأفواه التي تطالب بالعدل والمساواة. لقد أصبحت الأرقام الملكية الجديدة في ظِلّ التسريبات نقمة مزدوجة: فحين يُعلن النظام عن “شراكة اجتماعية” للإصلاح، تتحقّق المعادلة العكسية: ما يُمنَح للملك يُمنع منه المواطن العادي.

المخزن اليوم يقول: “كوني أعطيكم إصلاحات” لا يمنحكم الحق في المساءلة والمحاسبة. ويعلن: “من حقي أن أرفع ميزانية القصر”… بينما تُترك آلاف المدارس شبه خرائب، وتُهجَر مستشفيات في القرى. هدفه في كل ذلك ليس تحسين الأوضاع، بل كسب الزمن، واستهلاك احتجاج الجيل الجديد بمؤتمرات وقوانين تحت الطبع. وفي الأثناء، تنتقل ميزانية القصر من “سيادة” إلى “صيانة” للأقنعة، وصمت الدولة يصبح وقودًا للغضب.

حين تُوجَّه الملايين نحو البلاط، ويُعاد تدوير نفس الكلمات: “نموذج تنموي” و“دولة اجتماعية” و“الشباب أولاً”، فإن الواقع يكشف أن الدولة المغربية القديمة لا تُغيّر مواقعها، بل تتموقع من جديد عبر تنفيذ عمليات تجميلية. وهذا ما يجعل “جيل زد” لا ينتظر أرقامًا وإنما يسأل: متى يُفتح ملف الفساد؟ ومتى يُفرج عن معتقلي الرأي؟ ومتى تُحاسب النخبة الفاسدة والمترفة؟

إن الميزانية ليست أرقامًا محايدة، بل إنصاف مُعلَن أو إنحياز ظاهري. وإذا تحولت “الزيادة 2.5٪ في ميزانية القصر” على نحو كافٍ لإطفاء رغبة التغيير، فحينها يكون السؤال: كم من احتجاج يجب أن ينكسر قبل أن يدرك هذا النظام المخزني الفاسد أن الشرارة لم تعد تُطفأ بالأرقام ولا التصريحات الكاذبة.

رابط دائم : https://dzair.cc/m9k6 نسخ