أعلن التنسيق النقابي الوطني لقطاع الصحة في المغرب عن عودته إلى الاحتجاج، عبر إطلاق «برنامج نضالي»، احتجاجًا على ما وصفه بـ«إخلال الحكومة والوزارة الوصية» بالتزاماتهم، خصوصًا ما تعلق بمطالب العاملين في الصحة.
النقابات اتهمت الوزارة بـ”التماطل” في تنفيذ اتفاق 23 يوليو 2024، مما دفع ممرضين ومهنيي الصحة لإعادة تنظيم وقفات جهوية ووطنية — تبدو كرسالة تحذير لحكومة المخزن التي تواجه مزيدًا من الضغط على خلفية تردي أوضاع القطاع.
ردود الفعل على هذا القرار لم تقتصر على الأوساط النقابية؛ بل لاحقًا انعكست على مناخ الاحتقان الاجتماعي في البلاد، حيث يعتبر هذا التحرك مؤشراً على تعمّق الأزمة في الخدمات الصحية، في سياق يعاني فيه المواطن المغربي من التأخيرات وسوء الخدمات. من جهة أخرى، تهدّد التحركات المتواصلة بزعزعة الاستقرار الاجتماعي، إذا ما ترافقت مع احتجاجات في قطاعات أخرى، مثل التعليم أو الوظيفة العمومية.
تعليم وتوظيف: أزمة الترقية وعاملات الإدماج تُلقي بظلالها على الثقة
في وقت تعيش فيه قطاعات حيوية مثل الصحة على وقع احتجاجات، عاد ملف “الترقية والترسيم” في قطاع التعليم إلى الواجهة، بعدما طالب عدة نواب في البرلمان حكومة المخزن بالإفراج عن مستحقات ترقية نحو 160 ألف أستاذ.
هذا الطلب يعكس توترًا في الشارع التربوي، ويعيد النقاش حول مدى جدية الحكومة في الوفاء بالتزاماتها تجاه المدرّسين والمتصرفين، في ظل مطالب متكررة بتحسين ظروف العمل وضمان العدالة الاجتماعية في التوظيف والترقية.
كما يعكس الوضع تراكماً من الإحباط: من جهة العاملون يشعرون بأن وعود الإصلاح تبقى حبرًا على ورق، ومن جهة أخرى المجتمع يُتابع باهتمام التوازن بين الحقوق والخدمات الأساسية، خصوصًا التعليم والصحة، بوصفهما ركيزتي بناء دولة المواطن والخدمات العمومية.
أي مستقبل للخدمات العامة؟ بين وعود الحكومة وواقع القاعدة
ما يجمع بين أزمة الصحة وإشكالية التوظيف في التعليم هو عامل الثقة: الثقة في قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، والثقة في استدامة الخدمات التي تُبنى عليها حياة المواطنين. الضغط النقابي والاحتجاجات يحملان رسائل واضحة بأن الفوضى أو التأجيل ليسا خيارًا مقبولاً بعد الآن.
التحركات الاحتجاجية تُنبه إلى أن الاحتياجات المادية — مثل الترقية، الحقوق، الأجور، البنية التحتية — لا تُختصر في حوارات مكتبية، بل هي مطالب تصبح داخليًا مدنيةً ومجتمعية حين تهمّ حياة الناس اليومية.
إذا لم تتحمل حكومة المخزن مسؤوليتها بسرعة وفعالية، فالتصعيد قد يشمل قطاعات أخرى، ويحوّل مطالب قطاعية إلى أزمة نظامية تشمل ثقة المواطنين بالدولة، وبمصداقية برامجها التنموية والاجتماعية.
إنذار مبكر — المواطن المغربي في مفترق محطات التلاحم والإصلاح
عودة النقابات والقطاع التربوي بالتزامن مع تذمّر واسع من المواطنين تشير إلى أن المغرب يمر بمرحلة حرجة على مستوى الخدمات العامة والمرفق الاجتماعي. ما كان يُنظر إليه في السابق كمطالب جزئية أو قطاعية، بات مؤشرًا على أزمة في ما يسمى “دولة الخدمات” — أي الدولة التي تُفترض أن توفر الحقوق الأساسية لضمان حياة كريمة.
التحرّك النقابي اليوم هو إنذار مبكر: إما الاستجابة الجادة والسرعة في الإصلاح، أو الدخول في دائرة توتر اجتماعي يصعب التحكم فيها. وفي كل الحالات، المواطن المغربي يراقب — ليس بأصوات سياسية ولا شعارات، بل بحاجاته اليومية، وبقدرته على تحقيق العيش الكريم.
