الخميس 06 نوفمبر 2025

تصريحات دي ميستورا حول قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية: “حياد لغوي” يُخفي انحرافاً سياسياً عن مواثيق الشرعية الدولية

نُشر في:
تصريحات دي ميستورا حول قرار مجلس الأمن بخصوص الصحراء الغربية: “حياد لغوي” يُخفي انحرافاً سياسياً عن مواثيق الشرعية الدولية

لم يكد يمضي أسبوع على صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 (2025) حول الصحراء الغربية، حتى بدأ الجدل يتصاعد بشأن مضمونه الحقيقي بين من اعتبره “انتصاراً ديبلوماسياً للمغرب” ومن رآه “خطوة جديدة في مسار الالتفاف على مبدأ تقرير المصير”. إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، من بروكسل، جاءت لتكشف شيئاً من الغموض، ولكنها في الوقت ذاته أكدت حجم التناقضات التي يحملها هذا القرار “المركب” في صيغته ولغته ودلالاته.

دي ميستورا تحدث عن “دفعة جديدة من الطاقة الدولية” و”إطار واضح للمفاوضات”، لكنه شدّد في المقابل على أن القرار “لا يفرض نتيجة مسبقة”، وأن الحلّ في الصحراء الغربية لا يمكن أن يكون إلا ثمرة “مفاوضات تُجرى بحسن نية”. غير أن المتتبع للغة القرار، كما نقلها المبعوث الأممي نفسه، يدرك أن ثمة تحوّلاً دقيقاً في الخطاب الأممي، إذ جرى الجمع لأول مرة في وثيقة واحدة بين مفهومي “السيادة المغربية” و**“حق تقرير المصير”**، وهو ازدواج لغوي يفتح الباب أمام تأويلات متناقضة، وربما متصادمة، بين الأطراف المعنية.

فالفقرة التي تؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية “تشكل أساساً للمفاوضات” ليست بريئة لغوياً ولا دبلوماسياً، لأنها تضع مقترحاً أحادياً في موضع “المرجع” بدل أن تُبقي جميع الخيارات متكافئة على طاولة التفاوض. هذا التوجه يعني عملياً محاولة إعادة صياغة مفهوم تقرير المصير ليُختزل في خيار “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”، وهو ما يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة السابقة التي تضع الاستقلال كأحد الخيارات المطروحة أمام الشعب الصحراوي.

ومع أن دي ميستورا حاول طمأنة الصحافيين بأن القرار “يفتح الباب لأفكار أخرى بنّاءة”، فإن سياق حديثه يعكس إدراكه بأن ميزان القوى داخل مجلس الأمن لم يعد كما كان. فالدفع الأمريكي–الفرنسي جعل النص النهائي يميل بوضوح إلى ترسيخ المقاربة المغربية، مع ترك هوامش لغوية تُستخدم لتسكين الاعتراضات الروسية والصينية، ومحاولة امتصاص الرفض الجزائري.

اللافت في إحاطة دي ميستورا هو إشارته إلى أن القرار “يمنح تفويضاً واضحاً للأمين العام ومبعوثه ليس فقط لتسهيل، بل أيضاً لقيادة المفاوضات”. هذه الصيغة – التي تبدو تقنية – تحمل بعداً سياسياً بالغ الأهمية: فهي تنقل مركز الثقل من الأمم المتحدة كمظلة جامعة إلى مكتب المبعوث الشخصي كوسيط فعلي، ما يعني عملياً تقليص مساحة التأثير المباشر للدول الداعمة لتقرير المصير، وفي مقدمتها الجزائر.

وبينما تتحدث الرباط عن “انتصار للديبلوماسية المغربية”، يرى مراقبون أن القرار 2797 جاء نتاجاً لتوازنات دولية لا تعبّر عن توافق بقدر ما تعبّر عن تعب من نزاع طال أمده. فالولايات المتحدة تسعى إلى تثبيت نفوذها في شمال إفريقيا عبر بوابة “الاستقرار المغربي”، في حين تريد فرنسا الحفاظ على امتدادها التاريخي في المنطقة. أما الصين وروسيا، اللتان امتنعتا عن التصويت، فقد عبّرتا بوضوح عن تحفظهما من “اختلال التوازن” في النص وعن “عدم عكسه لكل المبادرات المطروحة”.

في مقابل هذا الانحراف، تظل الجزائر ثابتة على مبدئها الذي لا يتغير: حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وفق ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها. هذا المبدأ ليس شعاراً ديبلوماسياً بل قاعدة قانونية، تؤكدها محكمة العدل الدولية منذ 1975، وتعيد التذكير بها محكمة الاتحاد الأوروبي في أحكامها المتكررة التي ترفض إدراج الصحراء ضمن الاتفاقات بين الاتحاد والرباط.

إن ما حاول القرار الجديد أن يقدمه كـ”مرونة سياسية” لا يعدو أن يكون محاولة لتدوير لغة الشرعية الدولية لصالح منطق الاحتلال. فالإشارة إلى “السيادة المغربية” – حتى لو جاءت بصيغة غير مباشرة – تعني إقحام عنصر مرفوض قانونياً في نص أممي يُفترض أن يظل محايداً. والحديث عن “حكم ذاتي حقيقي” ليس سوى محاولة لتجميل واقع الضم القسري الذي بدأ منذ “المسيرة الخضراء” المزعومة قبل خمسين عاماً.

في النهاية، يبدو أن الأمم المتحدة عادت إلى مربع “إدارة الأزمة بدل حلّها”، فيما تستمر معاناة عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين في تندوف بين النسيان والتجاذب. غير أن ما لم يفهمه أصحاب القرار بعد، هو أن تقرير المصير ليس ملفاً تفاوضياً قابلاً للمساومة، بل مبدأ جوهري من مبادئ القانون الدولي، وأن أي محاولة لتجاوزه ستبقي النزاع مفتوحاً لعقود أخرى.

القرار 2797 قد يكون “دفعة جديدة من الطاقة”، كما قال دي ميستورا، لكنه طاقة مشوبة بالتناقضات. أما الحقيقة الثابتة، فهي أن الشرعية الدولية لا تُصاغ بالتصويت، بل تُبنى على العدالة. والشعب الصحراوي، رغم الخيبات المتكررة، ما زال مؤمناً بأن العدالة وإن تأخرت، لا تموت.

رابط دائم : https://dzair.cc/s42k نسخ

اقرأ أيضًا