20 سبتمبر، 2025
ANEP السبت 20 سبتمبر 2025

تطبيع بوجه ثقافي وباطن أمني.. المغرب بين المخزن ومستشار الملك الصهيوني أندريه أزولاي

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
تطبيع بوجه ثقافي وباطن أمني.. المغرب بين المخزن ومستشار الملك الصهيوني أندريه أزولاي

أعاد منتدى «نساء من أجل السلام» في الصويرة مؤخراً إلى الواجهة نقطةً مفصلية في مسار سياسات الرباط الخارجية: كيف صار التطبيع مع الكيان الصهيوني جزءاً من أدوات السياسة الرسمية، ومن يقف خلف ذلك؟ الإجابة المكشوفة في وجه أندري أزولاي، ذاك المستشار الملكي المخضرم الذي بات يُعرّف في أوساط صحافة التحقيق المغربية والناشطين بــ«عرّاب التطبيع الصامت»، كشاهد على سياسةٍ اختارت المصالح الضيقة على حساب موقف الشعب والموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية.

في زمن تحترق فيه غزة وتُقصف بوحشية، يَجرؤ منظمو منتديات ثقافية وتجارية على دعوة ومكافأة صهاينة رسميين ومدعوين مرتبطين بسياسات الاحتلال، بينما تُقمع الأصوات المطالِبة بمقاطعة التطبيع داخل المغرب، وبُلاحَق صحفيو الرأي والناشطون الذين يرون في هذا المسار خيانة للحق الفلسطيني. هذا التناقض ليس حالة عابرة، بل هو جزء من استراتيجية ممنهجة: تبييض العلاقات بواجهات «ثقافية وإنسانية» يقودها مستشارون وممولون تربطهم علاقات مباشرة مع دوائر القرار في تل أبيب.

المخزن يعلن رسمياً عن «انفتاحٍ دبلوماسي» لكن على الأرض تتنامى مظاهر الاحتجاج الشعبي ورفض النخبة لتطبيعٍ لم يجلب شيئاً للمغاربة سوى العزلة الأخلاقية. جمعيات وفعاليات نسائية ومجتمع مدني واسع أطلقوا حملات مقاطعة لمنتديات استضافت ضيوفاً إسرائيليين، معتبرين أن «الحوار الثقافي» لا يمكن أن يكون ستاراً لتطبيع الدم والصمت عن المجازر. الدعوات للمقاطعة امتدت إلى تهديدات بعرقلة فعاليات ومنع دخول بعض الوفود، ورُصد ضغط شعبي واسع على السلطات للتراجع.

ومنذ توقيع «اتفاقية التطبيع» سنة 2020، دخل ملف العلاقات مع الكيان الصهيوني إلى عمق السياسات المغربية: فتح قنوات اقتصادية وأمنية، وانتقال لملفات حساسة مثل التعاون الاستخباراتي، والمبادلات الدبلوماسية التي تُستخدم أحياناً لتبرير قرارات داخلية مرتبطة بتثبيت مراكز نفوذ أو الحصول على اعترافات دولية بمطالب إقليمية. النقاد يرون أن المصالحة الديبلوماسية مع “إسرائيل” لم تُترجم إلى منفعة اجتماعية أو اقتصادية حقيقية للمواطن المغربي، بل عززت خيوط نفوذ شبكات ومستشارين يروّجون لمصالح خارجية أو لوجستيات تغض الطرف عن انتهاكات بشرية جسيمة.

المخاطر لم تتوقف عند حدود الغضب الشعبي: سجلت منظمات حقوقية ومنابر دولية حالات توقيف ومحاكمات ضد ناشطين ومدونين مغاربة انتقدوا التطبيع أو عبروا عن تضامن صريح مع الفلسطينيين، ما يعكس مناخاً مقلقاً يربط بين سياسة الدولة في الخارج وقمع الحريات في الداخل. الحملات الإعلامية الرسمية والشبه رسمية – التي يصفها البعض بـ«المموَلة من القصر أو من درجات عليا في الإدارة» – تعمل على تظهير أي نقد بأنه “خيانة” أو “تواطؤ خارجي”، في محاولة لتجريم الحق في التعبير ومحو الضمير الوطني.

وإذ نعمّق الصورة: عندما تُكرّم مؤسسات إسرائيلية شخصيةً مغربية رسمية أو شبه رسمية على خلفية دورها في «السلام» بينما تُقصف الأحياء وتُزهق الأرواح، فإن هذا التكريم ليس مجرد تكريم رمزي بل إعلان تحالف سياسي وأمني يترتب عنه تبعات خطيرة. من أندري أزولاي الذي تسلم وساماً رسمياً من الرئيس الصهيوني، إلى الاتفاقيات التي ربطت الاعتراف الأمريكي بمطالب المغرب الإقليمية، يُرسم خطّ تحكم جديد في المصالح، واحدٌ لا يمثّل الموقف الشعبي أو الضمير العربي.

كيف نقرأ دور أزولاي هنا؟ الرجل الذي طالما جاب أروقة القرار، شكّل جسر تواصل بين القصر ودوائرٍ إسرائيلية وأمريكية، مستثمراً ثقلاً تاريخياً لمجتمع مغربي يهودي أعطاه شرعية رمزية. لكن استخدام هذه الشرعية لتغطية مسار تطبيعي يتجاهل حقوق شعبٍ مُعذّب في غزة، ويحوّل «التراث اليهودي المغربي» إلى ذريعةٍ لسياساتٍ لا تلامس حاجات المواطن المغربي البسيط ولا تضيف له شيئاً على مستوى الحرية أو العدالة أو التنمية.

المشهد الشعبي يرد: احتجاجات شعبية، دعوات مقاطعة، محاولات عرقلة سفن أو أنشطة لوجستية رُبطت بمشروعات يُخشى أن تدعم آلة الحرب الإسرائيلية، وتحركات نقابية تدعو إلى فضح أي مشاركة في نقل عتاد قد يصل إلى ساحات القتل في غزة. هذا الغضب الشعبي ليس محض عاطفة؛ هو موقف أخلاقي وسياسي يضع المسؤولين أمام حسابٍ تاريخي. السلطات المخزنية ودوائر القرار الرسمية مطالبة اليوم باختيارٍ واضح: إمّا الاصطفاف مع الضمير العربي والشعبي، أو المضي خلف مشاريع تُغذي الاحتلال وتشرعن له.

أما على مستوى الخطاب الإعلامي، فالمعركة واضحة: من يريد أن يبرّر التطبيع يستعمل لغة «المنفعة» و«الدبلوماسية» و«الأمن»، ومن يرفض يسميها خيانة وتواطؤاً مع آلة إبادة. لكن على أرض الواقع يوجد ضحايا وخراب وبيوت محروقة. تكريمات هنا، ومذابح هناك؛ هذا التباين لا يمكن تسويغه لا أخلاقياً ولا سياسياً.

المخزن اختار طريق التطبيع، وشرّع لواجهات ثقافية تبيح استضافة ممثلين عن دولة تمارس إبادة ممنهجة، بينما تكتّم على إسكات الرافضين داخلياً. وعندما تقترن هذه السياسة بتكريمات تُمنح لشخصياتٍ لعبت دور وسيط في فتح أبواب التطبيع، فإن السؤال الأخلاقي والوطني يصبح صارخاً: هل هذا خيانةٌ أم صفقة مصالح؟ وهل سيقف الشعب صامتاً أمام من يقدّم مصالحه الضيقة على دماء إخوة يُقتلون دون محاسبة؟

المشهد اليوم يفرض حقيقة لا تُمحى: التطبيع بوجه الاحتلال ليس مشروع سلام، بل مشروع مصالحٍ من دون ضمير. الفلسطينيون وغيرهم لن يتوقفوا عن تذكير المخزن بما يعنيه هذا الاختيار في ميزان التاريخ. أما دور النخب والمثقفين والمدافعين عن الحريات، فصار واجبهم واضحاً: كشف الحقيقة، فضح الواجهات، ومقاطعة كل مظاهر التطبيع التي تُشرعن الجريمة.

رابط دائم : https://dzair.cc/rdae نسخ