2 أكتوبر، 2025
ANEP الخميس 02 أكتوبر 2025

جبهة الاحتجاجات تتسع والمخزن يترنّح: “جيل زد” يستقطب الاعتراف الدولي ويكشف عن الوجه الدموي للنظام

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
جبهة الاحتجاجات تتسع والمخزن يترنّح: “جيل زد” يستقطب الاعتراف الدولي ويكشف عن الوجه الدموي للنظام

في مشهد لا يُمحى بسهولة من ذاكرة النضال المغربي، تتسارع الأحداث وتتشابك الأزمات، حتى باتت حركة “جيل زد” تمثل قنبلة موقوتة تصيب نظام المخزن في مقتل. بعد أيام من الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت شوارع المغرب، دخلت الحركة مرحلة جديدة من المواجهة: مواجهة الطغيان والبطش مع حصاد أول للتضامن الدولي، وتوثيق لانتهاكات لم يعد أحد ينكرها.

دماء في القليعة: دكّ المركز بالرصاص

في بلدة القليعة التابعة لآيت ملول، إذ تدخل الدرك الملكي في مواجهة مع محتجين، أُطلقت رصاصات قاتلة راح ضحيتها شخصان وأُصيب آخرون. السلطات تقول إنها “دافعت عن النفس” بعد اقتحام مركز الدرك واستيلاء على عتاد، لكنها لا تُبيّن كيف يُبرّر استخدام السلاح في مواجهة متظاهرين تمرّدوا على الوضع المزري. البلاغ الرسمي يُعمّم الرواية الأمنية، ويتجاهل سؤالًا بسيطًا: هل أصبح المواطن المغربي خصمًا يجب قمعه بالرصاص؟

القليعة ليست حالة معزولة. هي دليل على أن البذور القمعية القديمة لا تزال تُروى بسلاح الدولة القمعية والبوليسية، وأن المخزن يفضّل نزيف الدم على الاستجابة.

سلا، كلميم، العيون: الاحتجاجات تشتعل ورقعة التخريب تتّسع

ليلة الأربعاء، اتّسعت رقعة الاحتجاجات إلى مدن مثل سلا وكلميم، حيث شهدت مواجهات عنيفة، رشق بالحجارة، سيارات مشتعلة، وممتلكات عامة تتعرّض للتدمير بما يستثير فزع النظام حول موازين السيطرة.

وفي القليعة مرة أخرى، تم اقتحام الجماعة المحلية وإضرام النار في بنايات ومعارض السيارات، فيما الحركة تردّ بأن التخريب ليس خيار الشارع، بل هو ناتج ردّ فعل منطقي على احتقان طويل وممنهج.

النظام، بدل أن يلتفت إلى صوت الشباب، يراهن على تخويف ساكنة المدن عبر إسناد مشاهد العنف إلى “أطراف خارجية” أو “جماعات مشبوهة”. لكنه ينسى أن الفتيل أُشعل من الداخل، والشارع الغاضب لا ينسى ما اقتطع من شبابه.

تنديد حقوقي دولي: المخزن تحت المجهر

في بيان مشترك، وجّهت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب و14 منظمة دولية تنديدا شديدًا للمغرب بسبب “القمع المتصاعد” الذي مارسته السلطات ضد الاحتجاجات السلمية، مؤكدة أن ما جرى لم يكن مجرد تجاوزات عشوائية، بل سياسة ممنهجة لمنع المواطنين من ممارسة حقوقهم الدستورية في التعبير والتجمع.

البلاغ الحقوقي عبّر عن القلق من أن الاعتقالات التي شملت أكثر من مئة متظاهر في الرباط وحدها، إضافة إلى عشرات في الدار البيضاء ومراكش، تكشف عن استخدام قوة غير متناسبة، وتجريد جزء من الشعب من حق الاحتجاج.

هذه الشهادة الدولية تنسف رواية النظام الذي يظن أن العنف الممارس من قبل أجهزته القمعية لا يُراقب خارجياً. لكن القمع اليوم على الطاولة، يُرصد من خلال المؤشرات الحقوقية العالمية، ويُسجّل في سجلات الخزي التي سيُحاسب عليها النظام عاجلاً أم آجلاً.

التتبّعات القضائية: 193 شخصًا في مرمى الاتهام

رئاسة النيابة العامة أعلنت فتح متابعات ضد 193 شخصًا على خلفية “أحداث الشغب والتخريب” خلال الاحتجاجات. من بين هؤلاء، أُودع 16 شخصا السجن الاحتياطي بموجب ملتمس التحقيق، فيما أفرج عن آخرين بكفالات أو قرارات حفظ مؤقتة.

النيابة تقول إنها تحقق في حالات رشق الحجارة، تخريب الممتلكات، إضرام النار، وعرقلة المرور، بل وتتابع القاصرين. ولكن هل يُعقل أن يُحاكم شباب خرجوا يطالبون بالخدمات الأساسية باعتبارهم مجرمين؟ إنها أحكام قضائية تُدار بيدين أمنيتين تطمس الحقيقة بدل أن تُعرّى النظام.

التحاليل تقول إن النظام يسعى من خلال هذه المتابعات إلى تثبيت رعب جديد في نفوس المحتجين، وإعادة فرض قبضته على الشارع الشاب والفتيّ. لكنه نفسه يُخاطر بفتح أبواب الكراهية التي قد لا تُسدّ بسهولة.

“جيل” زد لن يتراجع: السلمية هي الرهان

حتى مع تصاعد الاعتقالات وتوسّع رقعة القمع، فإن شباب “جيل زد” يُردّدون أنّ مطلبهم مشروع، وأن ذراع السلمية أقوى من أي قمع. إنهم يدعون إلى التجمّع في الساحات والحدائق، ويؤكدون أنه لا تخريب، ولا سبّ، ولا رشق للممتلكات، بل مواجهة حضارية لها رسالتها وحقها في البقاء.

وما يميز هذا الحراك، وفق كثير من المراقبين، أنه دمج بين الفضاء الرقمي والشارع، بين الطلبة والمدارس وبين الأحياء الشعبية، مما يمنح الحراك امتدادًا شعبويًا يُصعب وقف مدّ سيله المنهمر.

المخزن في مواجهة شعبٍ لا يرضى مجددًا بالأكاذيب

المخزن يظنّ أن القمع هو سلاحه الفعال. لكنه أمام غضب شبابي مدعوم بشهادات حقوقية دولية، يتهاوى ببطءٍ أمام إرادة الشعوب. النظام الذي لطالما اعتمد على التعتيم الإعلامي والتهديد الأمني اليوم يكتشف أن الوسائل أصبحت مكشوفة، وأن الأكاذيب لم تعد تنفع أمام فيديوهات الجرحى وشهادات المحتجين.

في هذه اللحظة، الحراك ليس مجرد موجة، بل قرار تاريخي يُعيد كتابة الخرائط الاجتماعية والسياسية المغربية. والمخزن أمام خيارين: إما أن يستيقظ من غفلته ويكشف عن إرادته الحقيقية في الإصلاح، أو أن يُخصّى من الداخل على أيدي شباب أصبحوا وقود التغيير.

“جيل زد” اليوم ليس صيحة في الفراغ، بل إنه صدى طويل لن يعود إلى الصمت. والشارع يقولها بصوت واحد: كفى قمعًا… كفى تكميمًا… كفى استبدادًا.
ويصر على صناعة نصرٍ يمتدّ إلى الحرية ويُكتب في الشوارع، والمستقبل سيبقى بيد من وقّع على دمائه النازفة في الميادين.

رابط دائم : https://dzair.cc/0zdg نسخ