الثلاثاء 11 نوفمبر 2025

خرافة “الحكم الذاتي”.. أو كيف يبيع المخزن الوهم لشعبٍ مغربي متعطّش للحرية ومفتقد للكرامة

نُشر في:
خرافة “الحكم الذاتي”.. أو كيف يبيع المخزن الوهم لشعبٍ مغربي متعطّش للحرية ومفتقد للكرامة

منذ عقود، والمخزن يروّج لأسطورةٍ اسمها “الحكم الذاتي” باعتبارها “الحل الواقعي والناضج” لقضية الصحراء، كما يزعم. غير أن هذا “الحكم” لم يَحكم شيئًا، و“الذات” لم تكن يومًا ذاتًا حرة، بل واجهة زجاجية تخفي وراءها منظومة مركزية تتحكم في الثروات والقرارات وحتى في الأوهام.
إن ما يسمى “النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية” ليس سوى تكرارٍ بصيغة أكثر بهرجة لسياساتٍ قديمة: ضخّ المليارات في مشاريع لا تنعكس على حياة الناس، بل تُترجم إلى أرصدةٍ في بنوك النافذين ومناصب للموالين.

من العيون إلى الداخلة الصحراويتين المحتلتين، يتحدّث الخطاب الرسمي عن “النهضة التنموية” و“الاستثمارات المهيكلة”، بينما الواقع يصرخ بعكس ذلك: بطالة خانقة، فوارق اجتماعية متفاقمة، شبابٌ مكدّس في المقاهي، وطبقةٌ سياسية محلية لا تفعل سوى ترديد خطب الرباط.
تلك هي حقيقة “الحكم الذاتي”: إدارةٌ محلية للولاء، لا للثروة؛ وصورةٌ محسّنة للاحتلال السياسي والاقتصادي.

إن المخزن، بخبثه المعهود في صناعة السراب، فشل في كل شيء ولم ينجح سوى في تحويل الصحراء إلى مختبرٍ لتلميع صورته أمام الخارج: “استقرار”، “استثمار”، “تعايش”. لكنها واجهة لا تُخفي أن الثروة السمكية تُنهب، وأن الأراضي تُمنح بقرارات فوقية، وأن أي صوتٍ يطالب بالعدالة أو بتوزيع حقيقي للثروة يُصنَّف تلقائيًا كـ“انفصالي” أو “مُغرض”.
هكذا يُداس الحق الاجتماعي باسم الاحتلال الذي يسميه المخزن “وحدة ترابية”، وتُكمم الأفواه باسم الوطنية الوهمية.

والأدهى أن هذه السياسة لا تقتصر على الصحراء وحدها؛ فالوهم امتدّ إلى عمق المغرب. ففي الشمال والريف وجرادة وسوس، تُعاد نفس المسرحية تحت عناوين مختلفة: “مشاريع كبرى”، “نموذج تنموي جديد”، “الجهوية المتقدمة”… كلها شعارات لتسويق نفس الكارثة: دولة مركزية تحتكر القرار والثروة، وتوزّع الفتات على الأطراف كصدقاتٍ سياسية.

يتغنّى المخزن بالمستقبل، بينما ينهب الحاضر. يتحدث عن المونديال وكأنه خلاص وطني، في حين أن التعليم والصحة في حالة احتضار. وتأتي تقارير مثل تقرير “فيتش” لتؤكد أن الاستقرار لم يتأثر، وكأن المطلوب من الشعب أن يموت في صمتٍ كي يرضى المستثمر الأجنبي.

“الحكم الذاتي” إذًا ليس سوى استعارة لتجميل التبعية؛ حكمٌ بدون حرية، وذاتٌ بدون سيادة. إنه مشروع سياسي لإعادة إنتاج السيطرة، لا لتوسيع المشاركة. فكيف يمكن لمنظومةٍ قائمة على الإقصاء والتفاوت أن تبني نموذجًا تنمويًا حقيقيًا؟

الذين صدّقوا أن التنمية ستنطلق من الصحراء اكتشفوا اليوم أن الرمال ابتلعت كل الوعود. والذين صمتوا عن نهب الثروة باسم “القضية الوطنية” أدركوا أن لا قضية أهم من كرامة المواطن المغربي في كل شبرٍ من الأرض.
فالوطن ليس حدودًا تُرسم على الخرائط، بل عدالة تُرسّخ في القلوب.

أما المخزن، فما زال يراهن على الزمن والنسيان. لكنه نسي أن جيل “زد”، الذي خرج إلى الشارع يطالب بالكرامة، لم يولد في زمن الخوف. هذا الجيل لا يشتري الأوهام، ولا يخاف من الخطوط الحمراء.
لقد انتهى زمن “الحكم الذاتي” كخرافة سياسية، وبدأ زمن “الوعي الذاتي” كحقيقة اجتماعية.

رابط دائم : https://dzair.cc/108u نسخ

اقرأ أيضًا