لم يحتج الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى كثير من الكلمات كي ينسف الخطاب المغربي من أساسه. لقاء واحد جمعه بالرئيس الصحراوي إبراهيم غالي في لواندا، على هامش القمة الإفريقية–الأوروبية، كان كافياً ليُفهم المخزن أنّ العالم يعرف الحقيقة جيداً… وأنّ مسلسل الكذب الذي ظلّ يسوّقه للرأي العام لم يعد ينطلي على أحد.
فغوتيريش، وفق وكالة الأنباء الصحراوية، لم يتحدّث عن “حكم ذاتي” ولا عن “حل واقعي”، كما تحب الرباط أن تروّج. بل قالها بصوتٍ واضح: مبعوثه الشخصي ستافان دي ميستورا سيستأنف التواصل مع طرفي النزاع، لا مع “الأطراف الإقليمية”، ولا مع “دول الجوار كما تقول الرواية المغربية”، بل مع الطرفين الحقيقيين: المغرب والجمهورية الصحراوية. وهذه وحدها ضربة دبلوماسية موجعة تجعل كل المناورات المغربية داخل الأمم المتحدة بلا أي قيمة.
غوتيريش لم يكتفِ بذلك. الأمين العام للأمم المتحدة شدّد على ضرورة مفاوضات جدية ودون شروط مسبقة، وهي العبارة التي يخشاها المخزن أكثر من أي شيء آخر، لأنها تعني ببساطة أن الكذبة الكبرى حول “السيادة المزعومة” على الصحراء الغربية لا وجود لها في أجندة المجتمع الدولي. الأمم المتحدة لا تعترف إلا بما يقوله القانون الدولي: الصحراء الغربية إقليم غير مستقل مسجّل منذ 1963 على قائمة تصفية الاستعمار، وأهله وحدهم من يقررون مصيره.
وهنا يتضح سبب الهلع في الرباط. فبينما كان الإعلام المغربي يحتفل بخيالات دبلوماسية من نسج المخزن، كان غالي يجلس مع غوتيريش في قلب لواندا، يناقشان قرار مجلس الأمن الأخير 2797، ويقومان بتفنيد المحاولات الفاشلة لبعض الأطراف لتغيير طبيعة القضية. الرئيس الصحراوي أكدها بصراحة: “هذه محاولات لن تحلّ شيئاً، ولن تخدم الأمن والاستقرار”. وهذه الرسالة موجهة مباشرة إلى الرباط، التي تبني دبلوماسيتها على خلط الأوراق، وتضليل الرأي العام، وإقحام مصطلحات لا وجود لها قانونياً.
أما من الناحية السياسية، فقد قدّم غالي ما يُربك الحسابات المغربية بالكامل: تأكيد واضح على الاستعداد للدخول في مفاوضات جادة وصادقة ودون شروط مسبقة. أي إن الطرف الصحراوي يفتح الباب للحل السياسي بكل شجاعة، بينما المخزن يهرب منه بكل الوسائل. الفرق واضح في لغة الخطاب: الصحراويون يتحدثون عن القانون الدولي، بينما المخزن يتحدث عن “شرعية الواقع”، وكأن العالم يسير وفق مقاسات الرباط لا وفق منظومة الأمم المتحدة.
لكن المشهد الأكثر إيلاماً للمخزن، ربما، هو أن لقاء غوتيريش–غالي جاء بعد حضور الجمهورية الصحراوية الرسمي في القمة السابعة لأنغولا، هناك حيث اضطر الوفد المغربي للجلوس –من جديد– إلى جانب ممثلي الدولة الصحراوية، رغم كل حملات التزييف التي حاولت الرباط فرضها على الإعلام الداخلي. لقد جلس المغرب وجهاً لوجه مع الجمهورية الصحراوية، والآن تأتي تصريحات غوتيريش لتؤكد أن الأمم المتحدة تنظر لغازٍ ومغزو، لا لبلد “يبسط السيادة” على “أقاليمه الجنوبية”.
والرسالة الحقيقية التي خرجت من لواندا نحو الرباط كانت واضحة: لن يكون هناك حل خارج حق تقرير المصير. نقطة.
لا اتفاقيات ثنائية، لا “اعترافات وهمية”، لا احتفالات مصطنعة. العالم ما زال يرى الصحراء الغربية آخر قضية تصفية استعمار في إفريقيا، والأمم المتحدة ما زالت تتعامل مع جبهة البوليساريو بصفته الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، والرئيس غالي يجلس مع غوتيريش بصفته رئيس دولة عضو في الاتحاد الإفريقي.
أما المخزن فما يزال يلعب دور الضحية أمام شعبه، بينما تتهاوى دعايته أمام أول جملة ينطق بها مسؤول دولي من وزن الأمين العام للأمم المتحدة.
الصحراء الغربية تعود إلى صلب النقاش الأممي، والمخزن يعود إلى زاوية الحرج. وبين هذا وذاك تتقدم القضية أكثر نحو الحقيقة التي حاولوا دفنها نصف قرن: شعب يريد الحرية ولن يساوم عليها.
