في الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقيات التطبيع الرسمي بين المغرب والكيان الصهيوني، عادت الاحتجاجات الشعبية لتملأ شوارع عدد من المدن المغربية، في مشهد يعكس استمرار الهوة بين القرار الرسمي ومزاج الشارع، الذي ما يزال يرى في التطبيع مساسًا بالقضية الفلسطينية وتواطؤًا مع الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
وشهدت مدينة طنجة، مساء السبت، مسيرة حاشدة شارك فيها مواطنون من مختلف الأعمار، رافعين الأعلام الفلسطينية ولافتات تطالب بإسقاط التطبيع، ومنددة بما وصفوه بجرائم حرب متواصلة في قطاع غزة المحاصر. وردد المحتجون شعارات تؤكد وحدة القضية، من قبيل: “المغرب وفلسطين شعب واحد مش شعبين”، و*“فلسطين أمانة والتطبيع خيانة”*، في تعبير واضح عن رفض شعبي لم تفلح السنوات الخمس في احتوائه أو تطبيعه.
ولم تقتصر الاحتجاجات على طنجة، إذ تتواصل، اليوم الأحد، وقفات ومسيرات داعمة لفلسطين في مدن أخرى من بينها مكناس وبني ملال، بدعوة من هيئات سياسية وحقوقية ومدنية، في إطار ما تصفه هذه الأطراف بـ“مواصلة الضغط الشعبي السلمي” ضد التطبيع، وربط المسؤولية السياسية والأخلاقية للدولة المغربية بما يجري في الأراضي الفلسطينية.
ويُنتظر أن تبلغ هذه التعبئة ذروتها يوم الاثنين 22 ديسمبر، وهو تاريخ توقيع اتفاق التطبيع، حيث أعلنت هيئات متعددة عن تنظيم وقفات احتجاجية متزامنة في مدن من بينها الرباط وتطوان وطنجة وخريبكة وبنسليمان، في محاولة لإعادة تثبيت الرفض الشعبي كمعطى ثابت لا ظرفي.
تطبيع رسمي ورفض شعبي مستمر
تكشف هذه التحركات أن التطبيع، رغم مرور خمس سنوات عليه، لم يتحول إلى أمر واقع مقبول اجتماعيًا، بل ظل محط رفض واسع، يتجدد مع كل تصعيد عسكري في فلسطين، ومع كل صور الدمار والضحايا في غزة. ويعتبر محتجون أن استمرار العلاقات مع الكيان الصهيوني، في ظل ما يصفونه بـ“الإبادة الجماعية” والحصار، يضع الدولة في موقع التناقض مع وجدان الشارع وموروثه التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية.
ويرى متابعون أن هذه الاحتجاجات تعكس فشل الرهان على الزمن في تطويع الرأي العام، وتؤكد أن التطبيع ظل قرارًا فوقيًا، لم يحظَ بشرعية شعبية، ولا بإجماع سياسي أو مجتمعي حقيقي، خصوصًا في ظل غياب أي نقاش عمومي شفاف حول كلفته السياسية والأخلاقية.
الشارع كآخر فضاءات التعبير
في سياق محلّي يتسم بتراجع منسوب الحريات، وتضييق الفضاء العام، تكتسي هذه التظاهرات دلالة إضافية، باعتبارها أحد آخر أشكال التعبير الجماعي عن موقف شعبي رافض، لا يكتفي بالإدانة الرمزية، بل يربط بين التطبيع وملفات السيادة والكرامة والعدالة الدولية.
وبينما تراهن سلطة المخزن على إدارة الملف بمنطق الأمر الواقع، يواصل الشارع المغربي إرسال رسائل واضحة: أن خمس سنوات من التطبيع لم تُسقط فلسطين من الوعي الجمعي، ولم تُحوّل الرفض إلى قبول، بل عمّقت الإحساس بأن القرار السياسي يسير في اتجاه، بينما البوصلة الشعبية لا تزال تشير إلى فلسطين.
