في خطوة تؤكد عمق الانقسام داخل مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء الغربية، برّرت روسيا امتناعها عن التصويت على القرار الذي تبنّاه المجلس مساء الجمعة، معتبرة أن النص الذي صاغته الولايات المتحدة “غير متوازن” ويمثل “انحرافاً عن روح التوافق التي يفترض أن تحكم أعمال المجلس”.
وقال المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في تصريحاته عقب جلسة التصويت، إن موسكو “تأسف للطريقة التي أدار بها الجانب الأمريكي عملية الصياغة”، متهماً واشنطن بـ“توظيف مجلس الأمن لخدمة أجندتها الوطنية في المنطقة”. وأوضح أن ما حدث “يعكس انحيازاً واضحاً” لصالح الطرح المغربي على حساب المسار الأممي القائم على مبدأ تقرير المصير، وهو ما اعتبره “تجاوزاً خطيراً” لكل الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة خلال العقود الماضية لإيجاد حل عادل ودائم للنزاع.
وأكد نيبينزيا أن “القرار الحالي لا يعكس التوازن المطلوب بين مواقف جميع أعضاء المجلس، ولا يأخذ في الاعتبار التحفظات التي أبدتها عدة دول، منها الجزائر والصين”، مشيراً إلى أن مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية تحوّلت – بحسب تعبيره – إلى “منصة مغلقة للحوار الأحادي”، بعدما تم تجاهل ملاحظات الأعضاء الداعين إلى مقاربة أكثر شمولاً وتوافقاً.
ورغم انتقاداته اللاذعة، شدد السفير الروسي على أن بلاده “لن تعرقل تمديد ولاية بعثة المينورسو”، لأنها “ترى في وجودها ضمانة أساسية للحفاظ على وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات”. لكنه في الوقت ذاته حذر من أن “الاندفاع الأمريكي في فرض مقاربة الحكم الذاتي كخيار وحيد قد يؤدي إلى إعادة إشعال النزاع في المنطقة، ويقوّض فرص الحل السياسي السلمي”.
ويرى مراقبون أن الموقف الروسي يعكس رؤية مبدئية قائمة على ضرورة احترام قرارات مجلس الأمن السابقة التي تنص صراحة على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، في حين يسعى المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة إلى “إعادة تعريف” الإطار المرجعي للنزاع عبر التركيز على مقترح الحكم الذاتي المغربي، باعتباره “الأساس الأكثر واقعية” للحل، حسب تعبير المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة.
ويشير المراقبون إلى أن هذا التباين في المواقف يعيد القضية الصحراوية إلى صلب التوازنات الجيوسياسية العالمية الجديدة، حيث تبدو واشنطن حريصة على تثبيت موطئ قدم استراتيجي في شمال إفريقيا، بينما تحاول موسكو وبكين منعها من احتكار إدارة الأزمات الإقليمية في الفضاءين العربي والإفريقي. وفي هذا السياق، يرى البعض أن التصويت الروسي – رغم رمزيته – شكّل رسالة سياسية واضحة بأن “الشرعية الدولية لا تُدار من واشنطن”.
ويعتبر القرار الذي صاغته الولايات المتحدة استمراراً لنهجها خلال السنوات الأخيرة في تقديم النصوص النهائية دون المرور بمشاورات علنية معمقة، وهو ما أثار امتعاض عدد من الأعضاء غير الدائمين الذين اشتكوا من “تهميش دور المجلس في صياغة قرارات مصيرية”.
أما على مستوى المضمون، فقد أشار القرار إلى “دعم المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا في تسهيل المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي”، دون أن يذكر أن هذا المقترح يتعلق بالوضع النهائي للإقليم، مكتفياً بتأكيد “ضرورة التوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول للطرفين يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة”.
وهو ما فُهم – من الجانب الروسي والصيني – على أنه “مجاولة تحييد” لمبدأ تقرير المصير من نص القرار، واستبداله بلغة دبلوماسية فضفاضة تمنح الأولوية للمبادرة المغربية.
من جهتها، اعتبرت الأوساط الدبلوماسية في الجزائر أن الموقف الروسي “يتقاطع مع الرؤية الجزائرية” الداعية إلى احترام المرجعية الأممية وعدم الانحياز لأي طرف، والتأكيد على أن بعثة المينورسو وُجدت لتنظيم استفتاء تقرير المصير، لا لتكريس واقع الاحتلال أو فرض حلول أحادية.
ويُتوقع أن تشكل تصريحات المندوب الروسي محور نقاش واسع في الجلسة القادمة الخاصة بتقييم عمل البعثة الأممية، خاصة بعد أن شدد في ختام مداخلته على أن موسكو “تنتظر من المبعوث الشخصي دي ميستورا أن يواصل جهوده بموضوعية، لضمان حق الشعب الصحراوي في ممارسة تقرير مصيره بما يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن السابقة”.
بهذا الموقف، تكون روسيا قد أعادت التأكيد على ثوابتها في السياسة الدولية القائمة على رفض الانفراد الأمريكي بالملفات الحساسة، وتثبيت حق الشعوب في تقرير مصيرها. وهو ما يُقرأ في الجزائر كإشارة جديدة إلى أن ملف الصحراء الغربية لا يزال بعيداً عن أي تسوية نهائية، وأن توازنات القوى داخل مجلس الأمن ما زالت تتيح هامشاً واسعاً للدفاع عن عدالة القضية الصحراوية.
