الثلاثاء 08 جويلية 2025

صحة ورياضة : تأثير الرياضة على الاكتئاب

نُشر في:
بقلم: أيوب بن مومن
صحة ورياضة : تأثير الرياضة على الاكتئاب

أراد علماء من عدة دول دراسة تأثير الرياضة على الاكتئاب و استنتجوا أن الرياضة تقلل من خطر الاكتئاب و خصوصاً في المراحل الأولى من ظهور الاكتئاب بغض النظر عن العمر والحالة البدنية. هذا ما حققته مجموعة من العلماء من البرازيل وبلجيكا وأستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد في دراسة التي نشرت في المجلة الأمريكية للطب النفسي.

الركض يعيد الأمل للمرضى النفسيين في أن لديهم قوة احتياطية يجهلونها، والنشاط البدني يعزز الحالة المزاجية ويخفف من التوتر ويحسن النوم، وأكدت مجموعة من الدراسات فعالية التمارين الرياضية المنتظمة التي تعد عنصرا هاما في العلاج الشامل للأمراض النفسية والعقلية.

ويعمل الكثير من الأطباء والاختصاصيين النفسيين على الاستعانة بنصائح المدربين الرياضيين ومدربي اللياقة في إفادة مرضاهم بغرض مساعدتهم على تجاوز الحالات النفسية الصعبة التي قد تدفعهم نحو الإدمان أو التفكير في الانتحار مستفيدين من تأثيرات الرياضات بمختلف أنواعها على عقل ووجدان المريض.

لا تعتبر العلاقة بين التمارين الرياضية والصحة العقلية والنفسية أمرا جديدا، لكن الدراسات العلمية الحديثة دعّمت فكرة إدخال ممارسة الرياضة في العلاج وتوصلت الكثير منها إلى تحديد العلاقة بين تأثيرات التمارين الرياضية على مرض معين.

وكتب طبيب اسكتلندي منذ العام 1769 “لا تتمتع أي من الأسباب، التي تتآمر لجعل حياة المرء قصيرة وبائسة، بتأثير أكبر من ذاك الذي تخلقه ممارسة التمارين الرياضية المناسبة”.

إن دور الرياضة أصبح معروفا على نطاق واسع، وتصف دراسة إحدى النظريات المتعلقة بالتأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على الدماغ قائلا “خفضت الرياضة من الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب والفصام وضعف الإدراك المعتدل والخرف”.

وتؤثر عشر دقائق من التمرينات الخفيفة على الصحة، وتصبح هذه التأثيرات طويلة المدى إذا داوم الشخص على التمارين لمدة 12 أسبوعا. كما يمكن أن تساعد 10 دقائق من التمارين المنتظمة في تخفيف الاكتئاب. وتتفق العديد من الدراسات في وجود علاقة بين ممارسة الرياضة والصحة النفسية، ومن الممكن حسب بعضها أن تنخفض نسب الانتحار بين الشباب النشطين.

ويتوقع خبراء أن يتعاون بعض الأطباء مع مدربين رياضيين لتحديد البرامج الأمثل للمرضى حسب حالاتهم، ويمكن أن يصل الأمر إلى إرفاق بعض العيادات الخاصة بمساحات رياضية، لتصبح التمارين عنصرا من العلاج الشامل للأمراض النفسية والعقلية.

اقترح الأطباء للتمارين الرياضية كمرافق للأدوية والعلاج أحد الأساليب الممكنة لإقناع الناس بأن النشاط البدني يمكن أن يساعد العقل حقا

عاشت مؤلفة كتاب “كيف أنقذ الجري حياتي”، حياة يحكمها القلق والأفكار السلبية والخوف، وأمضت سنوات في البحث عن حل من شأنه أن يساعدها إلى جانب الدواء الذي رغم تخفيفه عنها إلا أن الرياضة كانت المنقذ الحقيقي، على حد تعبيرها، قائلة “لقد منحتني شعورا بأن هناك عالما يعدني بالأمل، لقد أعطاني الجري الاستقلال والشعور بأن لدي احتياطيات من القوة لم أكن أعرفها”.

وتشير العديد من العوامل إلى أن النشاط البدني يساعد على تحسين الصحة العقلية، فهو يعزز الحالة المزاجية ويخفف من التوتر ويحسن النوم، كما يستهلك تمرين القلب جزءا من الأدرينالين الناجم عن القلق، وتوقفت نوبات الفزع التي عانوا منها ، ونقصت أفكارها السلبية.

ورغم تراجع “وصمة العار” التي كانت متصلة بالمرض العقلي، إلا أن الخدمات التي أنشئت لتقديم المساعدة لا تزال تعاني من نقص التمويل في غالبية دول العالم. ولا يمكن لممارسة التمارين علاج مشاكل الصحة العقلية بمفردها، أو حتى تسهيل حياة من يعانون من مرض نفسي شديد، ولكنها تولد بعض الإيجابيات.

ودعمت دراسة حديثة نشرت في “جاما سيكياتري” النظرية التي تقول إن النشاط البدني هو استراتيجية فعالة للوقاية من الاكتئاب، (مع أن الاكتئاب قد يؤدي إلى انخفاض في النشاط البدني).

وتشير الإحصائيات إلى أن واحدا من كل أربعة ممن حولنا يعاني أو سيعاني من مرض نفسي في مرحلة ما من حياته. وعلى الرغم من معرفة منافع التمارين الرياضية، أظهرت بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة عام 2018 أن نسبة الملتزمين هي 66 بالمئة من الرجال و58 بالمئة في النساء الذين تتجاوز أعمارهم 19 عاما.

وأشارت هيئة الصحة العامة في إنكلترا إلى أن الأطفال لا يمارسون الرياضة كما يجب، إذ سجلت نسبة لا تتجاوز 17 بالمئة بين صفوف تلاميذ السنة الأخيرة من المدرسة الابتدائية في العام 2017. وقد تعكس هذه الأرقام حقيقة أن الكثير من الناس يرون التمارين واجبا.

وفي مرحلة البلوغ، يتخلى العديد عن الرياضة، بحجة عدم توفر الوقت أو المال. وتقول الطبيبة النفسية والمؤلفة البريطانية سارة فوهرا، في حديث لصحيفة الغارديان البريطانية، إنها ترى اتجاها شائعا لدى العديد من مرضاها “فهم يقضون أوقات فراغهم خلف الشاشة، واستبدلوا العلاقات الواقعية بعلاقات افتراضية”.

وكتب الأسترالي ديمون يونغ في كتابه “كيف تفكر في التمارين” أن “المجهود البدني والعقلي يتعارض بشكل أو بآخر. إن التمرين هو فرصة لتثقيف أجسامنا وعقولنا في نفس الوقت”.

وتوضح أخصائية في علم النفس “لقد قمنا بتحسين المخ إلى حد ما وشوهنا الجسم باعتباره مجرد شيء يحمل العقل. لا نقدر أجسامنا وعقولنا ككائنات حية موحدة. في الواقع، لا يمكنك التمتع بصحة جيدة في أحدهما دون الآخر”.

ويعتقد بعض الأخصائيين أن هناك حاجة لبذل المزيد من الجهد لإقناع الناس بممارسة الرياضة كطريقة فعالة لتحسين الصحة العقلية، وأصبح بعض الأشخاص يدركون ببطء هذه الفوائد، حيث نشرت العديد من الدراسات الجديدة التي تربط أنواعا معينة من النشاط البدني بالصحة العقلية. لكن كيف يمكن إقناع الناس بأن النشاط البدني يمكن أن يساعد العقل حقا؟ يعد اقتراح الأطباء للتمارين الرياضية كمرافق للأدوية والعلاج أحد الأساليب الممكنة للإقناع.

يقول طبيب أميركي إن التمرين جزء مهم في محادثاته مع المرضى الذين يتعاملون مع مشاكل في الصحة العقلية. وأظهرت دراسة أجرتها جامعة غلاسكو كالدونيان في العام 2018 على أكثر من ثمانية آلاف شخص أن 89 بالمئة صرحوا أن الجري أثّر على سعادتهم وصحتهم العقلية إيجابيا، كما برهنت أن الركض في محيط طبيعي يساعد بنسبة 50 بالمئة على تعزيز الفوائد الصحية العقلية مقارنة بالجري على جهاز ثابت.

وتم إنشاء مصلحة في العام 2012 لمساعدة الشباب المحرومين، الذين يواجه الكثير منهم مشاكل نفسية، ويقول مؤسسها “إن العديد من شبابنا موجودون في بيئات فوضوية وغالبا ما يشعرون بالعجز الشديد، يمكنهم بذل جهد للحصول على وظيفة أو تحسين مساكنهم، لكن جهودهم لا تعني بالضرورة وصولهم لمرادهم. يأتي الركض بالتوازي مع العدالة والحرية، في مجتمع يحرم الأشخاص المشردين من بعض الفوائد الاجتماعية”.

وينشّط الجري الدورة الدموية في الجسم، ونتيجة لذلك يتحصل المخ على المزيد من الأكسجين والمواد المغذية ما يساعده على مواجهة بعض الأمراض النفسية.

وحذر الدكاترة من أن التوتر النفسي المستمر يمهد الطريق للإصابة بأمراض خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري واضطرابات أيض الدهون واضطرابات الهضم، بالإضافة إلى الصداع وصعوبات النوم.

كما أن أعراض التوتر النفسي المستمر تتمثل في سرعة الاستثارة والتفكير العميق ليلا وفقدان الدوافع وإهمال الأسرة والأصدقاء والهوايات.

ولمواجهة التوتر النفسي المستمر ينصح بممارسة الرياضة والأنشطة الحركية بانتظام؛ حيث تساعد الحركة في محاربة هرمونات التوتر، بالإضافة إلى تقنيات الاسترخاء كاليوغا والتأمل.

ومن التقنيات المفيدة أيضا التاي تشي، وهي عبارة عن حركات رشيقة مع أنماط التنفس العميق، والاسترخاء العضلي التدريجي، أي تعلم كيفية ضبط الشد في مجموعة محددة من العضلات في الجسم، وذلك بإحداث الشد متعمدا في مجموعة من العضلات، ثم تحرير هذا الشد.

رابط دائم : https://dzair.cc/tayz نسخ