13 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 13 أكتوبر 2025

“صفقة أوروبا القذرة”: كيف شرّعت بروكسل احتلال المخزن للصحراء الغربية باسم التجارة؟

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
“صفقة أوروبا القذرة”: كيف شرّعت بروكسل احتلال المخزن للصحراء الغربية باسم التجارة؟

في خطوةٍ فاجأت حتى بعض شركائها داخل الاتحاد، وقّعت المفوضية الأوروبية اتفاقًا جديدًا مع المغرب يشمل منتجات مصدرها الصحراء الغربية المحتلة، ضاربةً عرض الحائط بأحكام القضاء الأوروبي ومبادئ القانون الدولي التي طالما تشدّقت بها بروكسل.
هذا الاتفاق، الذي أُعلن عنه مطلع أكتوبر 2025، لم يمرّ بهدوء كما خُطط له؛ إذ واجه عاصفة من الانتقادات داخل البرلمان الأوروبي، بعدما وصفه عشرات النواب بأنه “مكافأة سياسية واقتصادية للاحتلال”
.

اتفاق على أنقاض القانون

بحسب صحيفة الإندبندينتي الإسبانية، وجّه نحو ثلاثين نائبًا أوروبيًا من كتل اليسار والخضر والوسط رسالة رسمية إلى رئيسة البرلمان روبيرتا ميتسولا، يطالبون فيها بمساءلة المفوضية عن “تجاوزها القانون الأوروبي”، بعدما سمحت ببدء تطبيق الاتفاق دون تصويت برلماني، ودون استشارة الشعب الصحراوي — الطرف المعني قانونيًا.
هذا التجاهل، كما يرى النواب، ليس مجرد خرقٍ إداري بل “انحراف سياسي خطير” يعيد إنتاج العلاقات الاستعمارية القديمة بثوبٍ جديد.

اقتصاد على جثة الشرعية

الاتفاق يمنح المغرب امتياز تصدير منتجات زراعية وصيدية من مناطق مثل العيون والداخلة ووادي الذهب، إلى الأسواق الأوروبية، تحت لافتة “الأقاليم الجنوبية”.
لكنّ هذا التوصيف الموارِب يخفي حقيقة جوهرية: تلك الأراضي ليست مغربية بموجب القانون الدولي، بل تُعدّ “أراضي متنازع عليها” في انتظار استفتاء تقرير المصير.
ورغم أن محكمة العدل الأوروبية أبطلت اتفاقات مشابهة في 2016 و2021، بسبب غياب موافقة الشعب الصحراوي، إلا أن المفوضية عاودت الالتفاف عبر إدراجها ضمن “اتفاق شامل للمنافع الاقتصادية”.

ازدواجية أوروبية فاضحة

من المفارقات أن الاتحاد الأوروبي الذي يفرض عقوبات على روسيا بسبب ضمّها أراضي أوكرانية، يموّل عمليًا احتلالًا آخر في إفريقيا، عبر قروض واستثمارات وتسهيلات مالية لمشروعات في الصحراء الغربية.
صحيفة Euractiv الأوروبية وصفت ما جرى بأنه “صفقة قذرة تشرعن الاحتلال وتُفقد أوروبا مصداقيتها الأخلاقية”.
أما Diario Red الإسبانية فاعتبرت أن المفوضية “أعادت اللعبة القديمة بوجه جديد”، حين اختزلت قضية سياسية عميقة في اتفاق تجاري مغلف بمفاهيم التنمية والاستثمار.

من يدفع الثمن؟

ليس الصحراويون وحدهم المتضررون.
اتحادات المزارعين الأوروبيين بدورها نددت بالاتفاق، مؤكدة أنه يُدخل إلى السوق منتجات بأسعار أقل بكثير من نظيراتها الأوروبية، مما يخلق منافسة غير عادلة ويهدد آلاف المزارع الصغيرة في إسبانيا وفرنسا والبرتغال.
لكنّ الأخطر، كما تقول منظمات حقوقية، هو أن الاتحاد الأوروبي بات “شريكًا مباشرًا في استغلال الموارد الطبيعية” لشعب لم يُمنح حقه في تقرير مصيره منذ نصف قرن.

المال مقابل الصمت

يأتي هذا الاتفاق بعد شهور من تحركات فرنسية وإسبانية مكثّفة لدعم المشاريع المغربية في الإقليم، مثل ميناء الداخلة الأطلسي المثير للجدل، الذي تموله وكالة التنمية الفرنسية بـ100 مليون يورو.
بذلك، يبدو أن العواصم الأوروبية الكبرى قررت المضي في سياسة “المال مقابل الصمت”، حيث يتم تحويل القانون الدولي إلى بندٍ مرنٍ يخضع لمصالح الغاز والهجرة والاستثمار.

أوروبا التي تبيع مبادئها

يقول أحد النواب الموقعين على رسالة الاعتراض:

“لقد خسر الاتحاد الأوروبي ما تبقّى من صورته الأخلاقية، حين اختار دعم احتلالٍ استعماري باسم التنمية.”

هكذا، في لحظة واحدة، انكشفت هشاشة الخطاب الأوروبي: ديمقراطية في الكلام، وبراغماتية قاسية في الأفعال.
فالذي يغضّ الطرف عن انتهاك القانون الدولي في الصحراء الغربية، لن يكون صادقًا حين يتحدث عن العدالة في أوكرانيا أو أي مكان آخر.
الاتحاد الأوروبي لم يخطئ فحسب، بل وقّع شهادة نفاقه السياسي.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم:
هل أصبحت “قيم أوروبا” سلعة تُباع في أسواق الرباط مقابل اتفاقٍ زراعي آخر؟

رابط دائم : https://dzair.cc/cpzx نسخ