25 أكتوبر، 2025
ANEP السبت 25 أكتوبر 2025

صفقة العار الكبرى: كيف تدفع فرنسا والإمارات ثمن خيانة القضية الصحراوية بمشاركتهما في شرعنة الاحتلال المخزني

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
صفقة العار الكبرى: كيف تدفع فرنسا والإمارات ثمن خيانة القضية الصحراوية بمشاركتهما في شرعنة الاحتلال المخزني

لم يعد ما يحصل في ملف الصحراء الغربية مجرد مناورة دبلوماسية تقليدية أو لعبة وساطة مستهلكة بين طرفين؛ بل تحوّل إلى محاولة ممنهجة لإعادة كتابة الواقع السياسي بالقوة. إذ يجري في الكواليس – بتواطؤ معلن تقريبًا – الدفع بمشروع قرار إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة يرعاه الغرب من بوابة الولايات المتحدة، ويقدَّم كإطار رسمي يحوّل السيادة المغربية على الإقليم إلى حقيقة تمّ اعتمادها، متجاهلاً حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وفي طليعة هذه التحركات، تقف فرنسا والإمارات العربية المتحدة كزعماء بارزين في هذا المسعى.

فرنسا – التي كانت تُعدّ من أولى الدول المدافعة عن مبادئ تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية وحق الشعب الصحراوي في الحرية – اليوم تغيّر موقفها بشكل صارخ، وتُعلن دعماً لمقترح الحكم الذاتي المغربي وكأنها تبيع التاريخ والأخلاق معاً. وفي نفس اللحظة، تُوظّف الإمارات أموالها كثمن لترسيخ خيارٍ سياسيٍّ على حساب شعبٍ بأكمله، وتحويله إلى صفقة استثمارية تُبرر بقوة المال والتحالفات الأمنية بدل العدالة.

ما يجري ليس تجربة سياسات عابرة، بل جريمة دبلوماسية تصور القانون الدولي تحت شعار “واقعي” لكنه في جوهره بيعٌ للحقّ وتسويةٌ مُملاة من الخارج. فتصبح الأمم المتحدة منصة لتقنين الاحتلال، ويتحول القانون الدولي إلى وسيلة لاستبدال الإرادة الشعبية بموافقة صورية.

بالطبع، لا يمكن قراءة هذا المسار بمعزل عن موقف القوى الداعمة والمستفيدة: فرنسا الدولة التي لعبت دوراً في إقامة نظام ما بعد الحرب العالمية وحقّ تقرير المصير؛ والإمارات التي تحوّلت إلى صندوق تمويلٍ سياسيٍّ يشترط الولاء للحصول على الشراكة. أما الشعب الصحراوي، فقد صمَد نحو خمسة عقودٍ في مخيمات اللجوء بالصحراء الجزائرية، قبل أن يُطلب منه اليوم أن يبيع مستقبله مقابل شروط مجحفة وظالمة. هذا ليس سلاماً؛ بل محاكاة لمصالحة بلا عدالة.

أما بالمنطق القانوني، فالخطورة لا تكمن فقط في مشروع القرار، بل في ما يمثّله من انقلاب على مبادئ الأمم المتحدة. إذ عندما يُغلق الباب أمام الخيار المطروح دائماً – الاستفتاء الحرّ – حينذاك تسقط الشرعية في تعديلٍ لمصلحة مستعمر. والبوليساريو والجزائر – التي أعلنت رفضها المشروع – ليستا مجرد لاعبين إقليميين، بل حراساً لمبادئ الحقوق الدولية التي تهاجَم اليوم.

لكنّ هذا التوجيه الغربي-الإماراتي ليس بلا تضحية. فهو يضع المنطقة أمام ثلاث نتائج محتملة: أولاً، تقويض واضح لمصداقية الأمم المتحدة ومؤسساتها حين تُوظّف كأداة أداء لا وسيطاً للسلام. ثانياً، زعزعة للاستقرار في شمال إفريقيا والساحل، إذ أن المشروع يفتح باباً على مصراعيه لنزاعٍ إقليمي أعمق. ثالثاً، رسالةٌ واضحة أن القوة والمال وتجارة النفوذ هي اليوم التي تكتب الخرائط، وليس القانون أو إرادة الشعوب.

والأخطر من ذلك أن ما يُقدّم على أنه “حلٌ واقعي” ليس إلا تثبيتاً للاحتلال: حكم ذاتي تحت سقف سيادة، دون استفتاء، ودون انتقال سلمي، ودون ضمانات. هل هذا حلٌّ؟ بل هو مشروع تسويةٍ موجهة لصالح المحتل، مقابل خطابات تطوير وشراكات استثمارية.

ومن يتحمّل المسؤولية؟ فرنسا التي تختار مصالحها الاقتصادية على حساب مبادئها التاريخية، والإمارات التي تحوّل السياسة إلى رهان مالي، والمجتمع الدولي الذي يتغيّب عن التزامه تجاه حقوق الشعوب. فكل من شارك أو شهد هذا الانقلاب على الشرعية الدولية سيظلّ سجلهُ مشوّهاً، والتاريخ لن يرحم من اختار أن يقف مع الغالب ضد الحق.

وسط هذه المسارات المظلمة، ثمة حقيقة لا تزيغ عنها الشعوب المساندة للقضية الصحراوية: الحرية لا تُشترى، والكرامة لا تُقايَضُ، والحقّ لا يُسقط بالإجماع ويُمارس في الميدان من طرف أصحابه. وكلّ من راهن على التفافٍ على هذا الحقّ سيكون شاهدًا على ولادة غضب مضاعف، ليس لشعبٍ واحد، بل لضميرٍ تعب من السلوكات المبنية على القضايا الأمنية والمصالح الاقتصادية للدول الكبرى.

إنّ السلام الحقيقي لن يُكتب في مكاتب باريس أو أبوظبي أو واشنطن، بل في استفتاءٍ صادق، يُحدد فيه الصحراويون مصيرهم بأنفسهم. وكل مشروعٍ يُطرح خلاف ذلك ليس إلا صفقة عارٍ على العدالة الدولية.

رابط دائم : https://dzair.cc/cjn6 نسخ