18 أغسطس، 2025
ANEP الاثنين 18 أوت 2025

عندما تحلّ الدعاية المخزنية محلّ الصحافة الموضوعية بغرض التضليل حول العلاقات الجزائرية الموريتانية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
عندما تحلّ الدعاية المخزنية محلّ الصحافة الموضوعية بغرض التضليل حول العلاقات الجزائرية الموريتانية

تسلّط الضجة الإعلامية الأخيرة التي أثارتها بعض وسائل الإعلام المغربية، كمنصة هسبريس وموقع صباح أغادير، الضوء مجددًا على الهوة المتزايدة بين الصحافة المهنية والتوجهات الدعائية. تأتي هذه القضية في سياق النفي القاطع الذي أعلنته موريتانيا بشأن أي مشروع لفتح معبر حدودي جديد مع المغرب، وهو موقف أكّدته نواكشوط بوضوح تام بتاريخ 12 أغسطس/آب 2025. غير أن بعض وسائل الإعلام المغربية فضّلت تجاهل هذا البيان الرسمي، منغمسةً في نسج روايات تدعم مصالح المخزن الجيوسياسية.

في بيان صادر عن وزارة التجهيز والنقل الموريتانية، نفَت الوزارة بشكل صريح جميع الإشاعات حول المعبر الحدودي المزعوم “أمغالا-بئر أم غرين”، مؤكدةً أن القنوات الرسمية الموريتانية ووكالة الأنباء الوطنية (AMI) هي المصادر الوحيدة الموثوقة. لكن بدلاً من نقل هذا البيان بموضوعية، اختارت وسائل الإعلام المغربية استبعاد النفي الرسمي من تغطيتها الخبرية، مع إطلاق مزيدٍ من الأضواء على “مصادر مجهولة”، مما أدى إلى تحويل الصمت الرسمي إلى ما يشبه الموافقة الضمنية.

يمثل هذا التلاعب الإعلامي أبعادًا تتجاوز التضليل، إذ يعكس جهدًا لخلق واقع بديل يخدم أجندات سياسية معينة. فمن خلال تقديم صورة زائفة عن تقارب مزعوم بين نواكشوط والرباط، تُحاول هذه المنافذ إبراز سردية تتجاهل الحقائق الإقليمية، وأبرزها تنامي الشراكة الجزائرية الموريتانية القائمة على الاحترام والتعاون العملي.

المفارقة هنا لافتة للانتباه. ففي الوقت الذي تهاجم فيه منصات مثل هسبريس وصباح أغادير الإعلام الجزائري بتهمة “المعلومات المضللة”، تُمارس هي بنفسها نشر روايات لا تستند إلى أي أدلة ملموسة. تدّعي وجود “محور استراتيجي أمغالا-بئر أمكرين” رغم غياب التأكيد الموريتاني، وتروج لفكرة “تحالف ثلاثي بين موريتانيا والمغرب والإمارات”، رغم أن نواكشوط حافظت على صمت واضح تجاه هذه المسألة.

الأمر الأكثر إثارة للجدل هو موافقة بعض هذه المنصات سابقًا على أخبار غامضة تتعلق بأنشطة عسكرية مغربية قرب أمغالا، قبل أن يأتي النفي الموريتاني ليكشف زيف هذه الإدعاءات. ما تبقى هو دليل واضح على انتهازية إعلامية، حيث تُعاد صياغة الحقائق بما يتناسب مع الأجندات السياسية.

ويُضاف إلى ذلك الزج بالإمارات العربية المتحدة في سياق المشهد الإقليمي، عبر اتهامات بتمويل شبكات غير قانونية أو حتى محاولة عزل الجزائر سياسيًا. لكن الواقع الاقتصادي لموريتانيا، الذي يعتمد بشكل أساسي على صادرات التعدين مثل الذهب والحديد والغاز، يبيّن تماسك خياراتها السيادية بعيدًا عن تلك التأويلات. وفي ظل أنظمة رقابية مثل مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، تظهر هذه الادعاءات مجرد تجاهل لتفاصيل دقيقة تتناقض مع الادعاءات المغربية.

اختزال استقلالية القرار الاقتصادي الموريتاني ضمن إطارٍ سياسي مغربي يُظهر تجاهلًا متعمدًا لطبيعة العلاقات الدولية وأهمية الاحترام المتبادل بين الدول. هذا النهج لا يمثّل فقط تزييفًا للواقع لكنه يُقلّل من شأن موريتانيا كدولة مستقلة وفاعلة في محيطها الإقليمي.

ختامًا، الحملات الإعلامية التي تستهدف الإعلام الجزائري أو العلاقات الجزائرية-الموريتانية تُفسر بحالةٍ من اليأس لدى النخبة السياسية والإعلامية المغربية. فالعجز عن فرض روايات قابلة للتصديق بالطرق المهنية يدفع نحو نهج دعائي يُنذر بخطر التدهور الأخلاقي المتزايد للصحافة، حيث تتحول إلى أداة مسخّرة لخدمة المصالح السياسية بطرق مشبوهة.

رابط دائم : https://dzair.cc/9oz5 نسخ