في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية بإسبانيا، كشفت تقارير صحفية عن ما يُوصف بـ “اعتداء المغرب على الجامعة الإسبانية”، في إشارة إلى الاستراتيجية التي يتبعها النظام المغربي لاستغلال الجامعات في الخارج كأدوات نفوذ وتأثير سياسي.
فبحسب تقرير منشور في صحيفة الإندبندنتي الإسبانية، فإن المغرب يعمل منذ سنوات على التغلغل داخل الفضاء الجامعي الإسباني عبر إنشاء كراسي جامعية، والتمويل الأكاديمي، والاتفاقيات الثقافية، بهدف تحسين صورته العامة وصياغة سرديات تتناسب مع مصالحه السياسية — ولا سيما في ما يتعلق بقضية الصحراء الغربية. هذا ما تجلى مؤخرًا في إطلاق “كرسي مغربي للدراسات المغربية” بجامعة روبيرا الأول بيرجيلي في كتالونيا، وهو مشروع أثار مخاوف من أن التعاون الأكاديمي المشروع يُستخدم في الواقع كأداة للتأثير السياسي وتبييض الروايات الرسمية المغربية داخل مؤسسات التعليم العالي الإسبانية.
الردود الرافضة للمشروع لم تأت من فراغ. ممثل جبهة البوليساريو في إسبانيا اعتبر أن ما يحدث ليس مجرد تعاون علمي، بل جهد منظم لترويج سرديات تخدم مطالب الرباط بشأن الصحراء الغربية، وتُضعف تناصر المجتمع الإسباني مع حق الصحراويين في تقرير المصير، وهي قضية يتمتع فيها الرأي العام الإسباني بتعاطف شعبي واسع.
من جانب آخر، ناشطات من صفوف الطلبة الصحراويين في إسبانيا حذّرن من أن هذه المبادرات تمثل ”استراتيجية واضحة للمملكة” من أجل تبييض الاحتلال وتطبيع صورة النظام في المجتمع الأكاديمي، واعتبرن أن الجامعات — بدلاً من أن تكون فضاءً مفتوحًا للنقد والنقاش — تتحوّل إلى منصات يُعاد فيها إنتاج الرواية الرسمية المغربية.
ولو أن الجامعات تبقى حصونًا للفكر الحر والنقاش العقلاني، فإن هذا التطور يطرح تساؤلات خطيرة حول حدود التعاون الأكاديمي حين يتحوّل إلى أداة نفوذ. فبينما تؤكد بعض المصادر داخل الجامعة أن المشروع يُدار وفق “معايير أكاديمية بحتة” دون موقف سياسي، فإن الشكوك لا تزال تحوم حول التمويل ذاته، وهوية الداعمين، والأهداف الحقيقية وراءه.
في سياق أوسع، يُنظر إلى هذا التوجّه على أنه امتداد للسياسات الدبلوماسية المغربية التي تسعى لتكريس حضورها وتأثيرها في الفضاء الأوروبي، مستغلة المجالات الثقافية والتعليمية كجزء من أدوات القوة الناعمة. ويرى منتقدون أن مثل هذه الاستراتيجيات ليست بريئة؛ فهي تأتي في وقت يشهد فيه المغرب انتقادات قوية دوليًا بشأن وضع حقوق الإنسان، وقضية الصحراء الغربية، والتعاون الأمني مع الدول الأوروبية.
ويبقى السؤال الأكبر: هل تُريد الجامعات الأوروبية — وخاصة الإسبانية — أن تتحوّل إلى منصات ترويج لصالح أجندات سياسية دولية؟ أم أن عليها الحفاظ على استقلاليتها الأكاديمية كفضاءات للنقد والتفكير الحرّين؟ ما هو مؤكد اليوم أن ما كان يُنظر إليه في السابق على أنه “تعاون علمي” بات يُنظر إليه في بعض الدوائر كـجزء من استراتيجية نفوذ سياسي، وهو ما يستدعي نقاشًا أعمق في السياسات الجامعية ومصادر التمويل وأهداف الشراكات الخارجية.
