الأربعاء 24 ديسمبر 2025

فؤاد عالي الهمّة.. علبة سوداء لنظام المخزن وحلقة نفوذ لشبكاتٍ أقوى من الدولة تحكم من وراء الستار

نُشر في:
فؤاد عالي الهمّة.. علبة سوداء لنظام المخزن وحلقة نفوذ لشبكاتٍ أقوى من الدولة تحكم من وراء الستار

ما كشفه موقع “أفريكا انتلجانس” عن شبكات النفوذ المحيطة بفؤاد علي الهمة لا يمكن قراءته كتحقيق صحفي عابر، بل كنافذة إضافية تطلّ على البنية الحقيقية للسلطة في المغرب: سلطة لا تُمارَس عبر المؤسسات المنتخبة، ولا تُدار بمنطق المحاسبة، بل تُنسَج خيوطها داخل دوائر مغلقة، حيث يتداخل الأمن بالدبلوماسية، والإعلام بالاقتصاد، والقرار السيادي بالمصالح.

فؤاد علي الهمة، الذي نادرًا ما يظهر في الواجهة، يبدو – وفق ما يورده التقرير – حاضرًا في كل الملفات الثقيلة: من الصحراء، إلى إعادة تشكيل الحقل الحزبي، إلى الإعلام العمومي، وصولًا إلى التظاهرات الرياضية الكبرى. هذا الحضور الشامل لا يعكس كفاءة إدارية بقدر ما يعكس خللًا بنيويًا في مفهوم الحكم نفسه، حيث تُختزل الدولة في أشخاص، وتُدار السياسة بمنطق “الوسيط النافذ” لا بمنطق المؤسسات.

الأخطر في هذا النموذج ليس قوة المستشار الملكي في حد ذاتها، بل الفراغ الذي تفضحه هذه القوة. حين يصبح شخص غير منتخب، غير خاضع للمساءلة البرلمانية أو القضائية، حلقة الوصل بين الأمن والإعلام والدبلوماسية، فإننا لا نكون أمام “دولة قوية”، بل أمام دولة مُفرغة من معناها، تُدار عبر شبكات، لا عبر قواعد.

تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، كما يذكّر التقرير، لم يكن حدثًا سياسيًا عاديًا، بل لحظة مفصلية في تدجين الحقل الحزبي، وتحويل التعددية إلى واجهة شكلية. ومنذ ذلك الحين، لم يعد السؤال: من يفوز في الانتخابات؟ بل: من يُسمح له باللعب أصلًا؟ السياسة، في هذا السياق، لم تُلغَ، لكنها وُضعت تحت الوصاية.

أما في ملف الصحراء الغربية، الذي يُقدَّم كقضية إجماع وطني، فإن إدارته من قبل دائرة ضيقة من المستشارين، بعيدًا عن نقاش عمومي حقيقي، يحوّل الإجماع إلى صمت إجباري. الاعتراف الأمريكي، واتفاقات التطبيع، والتحركات داخل مجلس الأمن، كلها قرارات مصيرية، لكن من ناقشها؟ من حاسب مهندسيها؟ ومن قيّم كلفتها السياسية والأخلاقية على المدى البعيد؟

الإعلام العمومي، بدوره، لم يسلم من هذا المنطق. إعادة هيكلته، كما يورد التقرير، لم تكن خطوة لتحريره أو مهننته، بل لإحكام السيطرة عليه. النتيجة إعلام بلا روح نقدية، بلا تعددية حقيقية، وبلا قدرة على مساءلة السلطة، في وقت تتراكم فيه الأزمات الاجتماعية، ويُدفع المواطن إلى استقاء الحقيقة من منصات بديلة أو من الخارج.

حتى الرياضة، التي يُفترض أن تكون مجال فرح جامع، تحولت إلى أداة نفوذ واستثمار سياسي. كأس إفريقيا، كأس العالم 2030، مشاريع البنية التحتية… كلها تُدار بمنطق “القوة الناعمة”، لكن دون شفافية، ودون نقاش حول الأولويات، ودون ربط حقيقي بين الإنفاق الضخم وواقع المواطن الذي يئن تحت وطأة الغلاء والتهميش.

ما تكشفه “أفريكا انتلجانس” في جوهره ليس سيرة رجل، بل صورة نظام. نظام يعتمد على أشخاص أقوياء بدل مؤسسات قوية، وعلى شبكات ولاء بدل قواعد ديمقراطية، وعلى الغموض بدل الوضوح. قد ينجح هذا النموذج في تدبير التوازنات على المدى القصير، لكنه يراكم هشاشة صامتة على المدى البعيد.

في ظل غياب ملكي متكرر، واحتقان اجتماعي متصاعد، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: من يحكم المغرب فعليًا؟ ومن يقرر في قضاياه المصيرية؟ والأهم: إلى متى سيبقى هذا الحكم من وراء الستار مقبولًا، قبل أن يتحول إلى عبء سياسي وأخلاقي على دولة تقول إنها تسير نحو الحداثة والاستقرار؟

إن الدول لا تُقاس بقوة مستشاريها، بل بقوة مؤسساتها. وكلما اتسعت شبكات النفوذ غير الخاضعة للمساءلة، كلما تقلصت الدولة، ولو بدا ظاهرها صلبًا.

رابط دائم : https://dzair.cc/t88f نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500022