أعادَ الفقيه المغربي أحمد الريسوني، الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين والرئيس الأسبق لحركة التوحيد والإصلاح، إشعال النقاش الديني والسياسي حول التطبيع، بعد نشره فتوى صريحة تُحرّم أي تعامل مدني أو اقتصادي أو سياسي أو ثقافي مع الكيان الصهيوني، داعياً إلى مقاطعة شاملة للكيان المحتل وكل المؤسسات والشركات الداعمة له. الفتوى، التي نُشرت السبت، تأتي في سياق إقليمي محتقن وتوتر متجدد حول مسار التطبيع في المنطقة، وخاصة في المغرب حيث يستمر الجدل بين مؤيديه ورافضيه.
فتوى ذات حمولة سياسية ودينية
الريسوني اعتبر أن كل معاملة مع “الكيان المغتصِب المعتدي المجرم”، وفق وصفه، تُعدّ مشاركة في الإثم والعدوان، مستنداً إلى عدد من النصوص الشرعية ومبادئ ثلاثة:
– التعامل مع العدو على أساس عداوته،
– حرمة مساعدة المعتدين بأي وجه،
– وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها.
وبناءً على هذه الأسس، وسّع الريسوني دائرة التحريم لتشمل التجارة، التطبيع الثقافي، الشراكات السياسية، والعلاقات الاقتصادية، مؤكداً أن أي تعاقد أو شراء أو تبادل تجاري يصبّ في مصلحة الاحتلال هو عمل محرم على المسلمين “أفراداً ودولاً”.
البضائع الصهيونية تحت مجهر التحريم
وذهبت الفتوى أبعد من ذلك حين وصفت المنتجات الإسرائيلية، خاصة تلك القادمة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأنها بضائع مغصوبة. وعليه، يحرُم – حسب الريسوني – على من يعرف مصدرها أن يشتريها أو يروّج لها، معتبراً أن من يفعل ذلك “مساهمٌ في دعم الاحتلال، بتمويله وتقوية اقتصاده”.
كما حمّلت الفتوى الشركات العالمية الداعمة للمستوطنات حكمًا مماثلاً، بغض النظر عن جنسية أصحابها أو هويتهم، معتبرة أن الربح العائد منها يشكل إسنادًا مباشراً للمشروع الاستيطاني.
استثناءات في حالات الاضطرار
رغم لهجة التحريم القوية، ترك الريسوني هامشاً ضيقاً للاستثناء، مؤكداً أن الضرورات تبيح المحظورات، شريطة أن تُقدّر بقدرها وألا توجد بدائل أخرى. ويهدف هذا الاستثناء إلى معالجة الحالات التي يكون فيها الامتناع عن منتج أو خدمة معيّنة متعذرًا أو مؤثرًا على حياة المواطنين.
ربط الفتوى بحركة BDS العالمية
ولم تُخفِ الفتوى إعجاب الريسوني بما سمّاها التجربة “الريادية” لحركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، التي تُعدّ اليوم أبرز حركة عالمية تُعنى بمناهضة التطبيع والضغط الاقتصادي على الاحتلال. ودعا الريسوني إلى الاستفادة من تجربتها وتوسيع التعاون معها باعتبارها “من أنجح الأعمال” في هذا المجال.
أبعاد سياسية في توقيت حساس
تأتي هذه الفتوى في ظرف سياسي دقيق، حيث يتزايد الضغط الشعبي في المغرب على خلفية التطبيع، فيما تتعرض السلطات لانتقادات بسبب مواقفها الدبلوماسية المتعلقة بإسرائيل ومسار العلاقات الثنائية. ويُنظر إلى صدور هذه الفتوى من شخصية محافظة ذات وزن فكري وسياسي داخل التيار الإسلامي المغربي، وفي هذا التوقيت، على أنه رسالة مزدوجة:
رسالة للداخل تؤكد استمرار الرفض الشعبي والديني لمسار التطبيع رغم محاولات فرضه عبر القرارات الرسمية.
ورسالة للخارج تبرز أن التطبيع، رغم توقيعه، لا يزال هشّاً ومرفوضًا على مستوى القاعدة المجتمعية والمؤسسات الدعوية.
كما أنّ الفتوى قد تعيد تنشيط النقاش داخل الهيئات الدينية والسياسية في المغرب، وقد تدفع التيارات المعارضة للتطبيع إلى تصعيد أنشطتها واحتجاجاتها، خاصة في ظل الانقسام الكبير داخل الشارع المغربي بشأن العلاقات مع تل أبيب.
بين الدين والسياسة ملف لن يُطوى قريباً
إعادة الريسوني ـ المعروف بمواقفه المناهضة للتطبيع حتى قبل خروجه من رئاسة اتحاد علماء المسلمين ـ إلى واجهة النقاش عبر فتوى بهذه الصياغة الحازمة، تؤكد أن ملف التطبيع في المغرب لا يزال مفتوحاً، ومشحوناً، وبعيداً عن الإغلاق، فالفتوى ليست مجرد رأي ديني، بل تحمل رسالة سياسية واضحة، وتعيد طرح سؤال كبير: هل يمكن للتطبيع الرسمي أن يصمد أمام رفض ديني ومجتمعي متجذر؟
الأكيد أن هذه الفتوى لن تمر بصمت، وأن صداها سينعكس على النقاش العام في المغرب خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تصاعد التوتر في غزة واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية، ما يجعل كل خطوة تطبيعية محل مساءلة شعبية متجددة.
