السبت 07 جوان 2025

فرنسا تفقد تواجدها نهائيا في إفريقيا والأفارقة يرفضون أن تظلّ دُولهم مجرّد مَنجمٍ يستغلّه مستعمِر الأمس

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
فرنسا تفقد تواجدها نهائيا في إفريقيا والأفارقة يرفضون أن تظلّ دُولهم مجرّد مَنجمٍ يستغلّه مستعمِر الأمس

بعد استقلال البلدان الإفريقية من الاستعمار الفرنسي، مارست فرنسا سياسة أطلقت عليها “أفريقيا الفرنسية”، وكانت عنوانا لإستراتيجية تقوم على الهيمنة والاستغلال والاستعلاء، التي تعتبر امتدادا لسياستها الاستعمارية التي كانت تهدف إلى بقائها لأطول وقت ممكن، ولا بأس من أن تستنزف تلك البلدان وتتحكّم في مصيرها بعد خروجها منها.

وبهذا فقد تحوّلت المستعمرات الفرنسية السابقة إلى ما يطلق عليه “الفناء الخلفي” لفرنسا كجزء من سياستها الاقتصادية والثقافية وعلاقاتها الخارجية، القائمة أساسا على التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية التي كانت تستعمرها سابقا.

وفي هذا السياق، قامت فرنسا بما يزيد على 20 تدخلا بين عامي 1961و1992، ونحو 17 مرة بين 1992 و2017 في الدول الأفريقية، حيث كانت تهدف من خلالها إلى تحقيق أو الحفاظ على مصالحها السياسية والثقافية والاقتصادية والدفاعية والأمنية.

وعلى مدى عقود من الزمن تلت مرحلة الاستقلال، قدّم عدد من رؤساء فرنسا وعودا كانت تبدو قاطعة في لحظتها، بشّرت بطي صفحة فرنسا الأفريقية والدخول في عهد جديد، ما يعني بأن العلاقات الفرنسية مع البلدان المستعمرة سابقا ستشهد تحولا جذريا سيكون قائما على الشفافية والمساءلة وحساب المصالح والحوار الندي.

لكن فرنسا فقدت مصداقيتها في إفريقيا بعد أن أخلفت بتلك الوعود، ولم تطبق في الواقع شيئا مما قالته، ولذلك استقبل الأفارقة زيارة ماكرون بمظاهرات في الغابون ندّدت بدعم فرنسا للرئيس عمر بونغو الذي يحكم منذ 2009، وورث الحكم عن والده ولم يكن عن جدارة استحقها.

وفي الكونغو الديمقراطية، تظاهر الكونغوليون ضد ما أسموه “الصمت” الفرنسي على دعم رواندا متمردي التوتسي شرقي الكونغو، وواجهه الرئيس فليكس تشيسكيدي برفض “التعامل الأبوي” وازدواجية المعايير، وهي إشارات كافية لرفض السياسة الفوقية التي تمارسها الدول الغربية، وفي القلب منها فرنسا، وفي الكونغو الديمقراطية، تظاهر الكونغوليون ضد ما أسموه “الصمت” الفرنسي على دعم رواندا لمتمردي التوتسي شرقي الكونغو.

كما أعرب الرئيس فليكس تشيسكيدي، وبشكل قاطع عن رفضه ما أسماه “التعامل الأبوي” وازدواجية المعايير التي تتبعها فرنسا مع البلدان الإفريقية، وهي إشارات واضحة لامتعاضه من سياسة الاستعلاء التي تمارسها فرنسا مع بلاده خاصة، ومع الدول الإفريقية بشكل عام.

ويرى مراقبون أن فرنسا أصبحت تخوض معركة وجودية في إفريقيا بعد التراجع الكبير في نفوذها السياسي والثقافي، حيث سعى ماكرون عبر ما يقارب 20 زيارة قادته إلى إفريقيا إلى تقليص البعد العسكري في العلاقات مع هذه القارة حتى لا يفقد ما تبقّى من مكاسب هناك.

وتظلّ الرغبة الفرنسية المتكررة في تغيير سياساتها وعلاقاتها مع إفريقيا تفتقر إلى المبادرات العملية على الأرض، حيث بقيت حبيسة النوايا فقط، ولم تعلن فرنسا عن أية جداول زمنية لتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة وإنهاء السياسات القديمة لأن العمق الأمني هو من يسيطر على سياستها.

ويطرح مجموعة من الباحثين كشرط رئيسي لنجاح أي سياسة قد تكون جادّة من فرنسا تجاه إفريقيا، الاعتراف بأخطاء الماضي، وتعويض الأفارقة عن فترة الاستغلال، وهو مطلب إفريقي ثابت، إضافة إلى تلافي القصور البيروقراطي وتذليل التعقيدات في دوائر السياسة الخارجية.

منقول بتصرف من إضغط هنا

رابط دائم : https://dzair.cc/1hib نسخ