12 أكتوبر، 2025
ANEP الأحد 12 أكتوبر 2025

فرنسا تموّل الاحتلال المخزني للصحراء الغربية: عندما تُباع المبادئ في مزاد المصالح

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور

لم تعد باريس تخجل من انكشاف وجهها الحقيقي في الصحراء الغربية. فالقناع الدبلوماسي الذي كانت تتخفى وراءه عقودًا باسم “الشرعية الدولية” سقط أخيرًا، بعدما أعلنت الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) عن منح قرض قدره 100 مليون يورو للمغرب لتمويل مشاريع في الأراضي الصحراوية المحتلة. خطوة لا يمكن وصفها إلا بأنها تمويل رسمي للاحتلال، وتواطؤ سافر مع سياسات التوسع المغربية التي تخرق بوضوح قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الأوروبية.

هذا القرض ليس مجرد عملية مالية، بل صفعة سياسية للمجتمع الدولي بأسره. فبينما لا تزال الأمم المتحدة تعترف بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، تأتي فرنسا — التي طالما قدّمت نفسها كحامية للقانون الدولي وحقوق الإنسان — لتُسقط آخر أوراق التوت وتتبنّى موقفًا استعماريًا جديدًا في القارة الإفريقية.

الحدث الذي أُعلن عنه في منتدى اقتصادي بالداخلة المحتلة، لم يكن لقاءً تجاريًا عاديًا، بل تظاهرة استعمارية بثوب استثماري. أكثر من 300 رجل أعمال فرنسي، بعضهم يمثل شركات كبرى مثل Engie وSafran وAccor، حضروا ليشهدوا ميلاد شراكة “اقتصادية” تُراد بها شرعنة واقع سياسي قائم على الاحتلال والنهب.
إنها نفس الوصفة القديمة: شركات تنهب، وسياسيون يبرّرون، وشعوب تُدفن حقوقها تحت شعارات “التنمية” و”الاستثمار”.

ولم يكتفِ ممثلو فرنسا بتجاهل قرارات محكمة العدل الأوروبية، التي أكدت أن أي اتفاق يشمل موارد الصحراء الغربية دون موافقة شعبها غير قانوني، بل تحدّوا تلك الأحكام علنًا. فالسفير الفرنسي في الرباط كرّر موقف الرئيس ماكرون الذي قال بوضوح إن “مستقبل الصحراء يُحسم داخل السيادة المغربية”. تصريح يفضح أن باريس انتقلت من مرحلة “التحفّظ الدبلوماسي” إلى مرحلة الانحياز الكامل لسياسة الضمّ المغربية.

لكن الأدهى أن هذه الخطوة تأتي في الذكرى الخمسين للاحتلال المغربي للصحراء، وكأن فرنسا أرادت أن تُهدي الرباط “وسام الشراكة في الجريمة”. فالمئة مليون يورو ليست سوى البداية؛ فقبلها أعلنت باريس نيتها استثمار 150 مليون يورو أخرى في نفس الإقليم. الأموال تتدفّق، والمبادئ تُدفن تحت رمال الداخلة والعيون.

المنظمات الصحراوية وصفت هذا التمويل بأنه “استفزاز جديد” و”انتهاك صارخ للقانون الدولي”، وهي على حق. لأن ما تقوم به فرنسا لا يختلف في جوهره عن تبييض الاحتلال باليورو. كيف لدولة تتغنى بحقوق الشعوب أن تجعل مؤسساتها الرسمية تشترك في تمويل مشاريع فوق أرض مستعمَرة؟ كيف يمكن لمن يندد بروسيا في أوكرانيا أن يبرر لمغربه في الصحراء؟

الجواب بسيط: المصالح أولًا، والمبادئ آخرًا. فرنسا اليوم ليست سوى شريك في نهب خيرات الصحراء مقابل حماية نفوذها المتراجع في شمال إفريقيا.
لكن التاريخ لا يرحم، ومواقف الشعوب لا تُشترى بالقروض.
قد يربح ماكرون صفقات آنية، لكنه يخسر ما هو أثمن: صورة فرنسا كدولة قانون وعدل.
فحين تموّل قوة عظمى احتلالًا واضحًا، فإنها لا تموّل ميناءً، بل تُغرق نفسها في وحل النفاق السياسي.

رابط دائم : https://dzair.cc/pcpe نسخ