27 أكتوبر، 2025
ANEP الاثنين 27 أكتوبر 2025

فضيحة الطماطم الصحراوية.. حين تبيع مدريد شرفها في سوق المخزن!

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
فضيحة الطماطم الصحراوية.. حين تبيع مدريد شرفها في سوق المخزن!

لم تعد الخيانة الإسبانية لقضية الصحراء الغربية مجرد زلة دبلوماسية أو سوء تقدير سياسي، بل تحولت إلى تواطؤ مفضوح يتستر عليه صمت رسمي مخزٍ، يُدار بعقلية المصالح والابتزاز التي يجيدها المخزن، وتخضع لها ساسة مدريد كما تخضع الأسواق للمضاربين.

آخر فصول هذا التواطؤ انكشف في فضيحة “الطماطم الصحراوية” التي تُزرع في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، وتُباع في الأسواق الأوروبية، خاصة في إسبانيا، على أنها منتج مغربي!

فضيحة مدوية كشفت عنها منظمات المستهلكين والمزارعين الإسبان، بينما اختارت حكومة بيدرو سانشيز ووزير الاستهلاك “بابلو بوستينديوي” التزام الصمت المريب، صمتٌ لا يفسَّر إلا بالخوف من إغضاب الرباط أو بانغماسٍ أعمق في وحل المصالح المشبوهة.

فالقضية ليست مجرد خطأ في الملصق التجاري، بل جريمة سياسية واقتصادية مكتملة الأركان، لأنها تضرب في عمق القانون الدولي وتشرعن لنهب الثروات الصحراوية، في انتهاك صارخ لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الأوروبية التي أكدت أن الصحراء الغربية ليست جزءًا من المغرب، وأن كل استغلالٍ لثرواتها دون موافقة شعبها هو عمل غير شرعي.
لكن مدريد، الدولة التي كانت يوماً القوة الاستعمارية في الإقليم، اختارت أن تغضّ الطرف عن هذا النهب، وكأنها لم تتعلم من تاريخها الدموي ولا من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الصحراوي.

والأخطر من ذلك أن الوزارة الإسبانية المعنية بالاستهلاك وحقوق المستهلكين، التي سارعت العام الماضي إلى التحرك ضد المنتجات الصهيونية المصدّرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحجة الدفاع عن “الشفافية وحق المستهلك في معرفة مصدر السلع”، هي نفسها التي تلوذ بالصمت أمام فضيحة الطماطم الصحراوية! ازدواجية أخلاقية وقانونية فاضحة من حكومة سانشيز: أوكرانيا تستحق التضامن، لكن الصحراء تُباع في المزاد!

وإذا كانت الوزارة الإسبانية قد حظرت المنتجات القادمة من المستوطنات الصهيونية واعتبرتها جريمة ضد الإنسانية، فلماذا تصمت اليوم عن المنتجات القادمة من أرض محتلة هي الأخرى، وتُباع بملصقات مغربية زائفة؟ الجواب ببساطة: لأن المغرب ليس إسرائيل فقط في سلوكه الاحتلالي، بل هو أيضاً ذراع أوروبية لحراسة مصالح الغرب في إفريقيا، تماماً كما كانت تل أبيب في الشرق الأوسط.

إن موقف حكومة سانشيز لا يمكن وصفه إلا بأنه خيانة سياسية متعمدة، وبيع للكرامة الوطنية الإسبانية مقابل بضعة امتيازات في الهجرة والتجارة مع المخزن.
لقد حوّل هذا الأخير سياسة مدريد إلى دبلوماسية المقايضة: يصمت الإسبان عن الاحتلال المغربي مقابل أن يفتح لهم باب التعاون الأمني، ويتغاضون عن نهب ثروات الصحراء مقابل اتفاقيات الصيد والفلاحة، وكأن القضية مجرد صفقة تجارية لا قضية تصفية استعمار.

أما الوزير “بوستينديوي”، الذي يملأ المنابر خطباً عن فلسطين والعدالة الاجتماعية، فقد أثبت أنه وزير بشعارات انتقائية، يتحدث عن حقوق الإنسان حين يكون الجلاد بعيداً، لكنه يصمت حين يكون الجلاد جاراً اسمه المغرب، إن صمته لم يعد مجرد تقاعس إداري، بل تواطؤ أخلاقي يشرعن الكذب على المستهلكين الإسبان ويشارك في طمس هوية المنتجات القادمة من الأراضي المحتلة.

وما يزيد من فداحة الجريمة أن الاتحاد الأوروبي نفسه، بدل أن يطبق أحكام محكمته العليا التي أكدت أن الصحراء الغربية ليست مغربية، قرر أن يعقد اتفاقاً سرياً جديداً مع الرباط، يسمح لها بتمرير السلع القادمة من الإقليم المحتل تحت ملصق “الصحراء الغربية – المغرب”! إنها قمة الوقاحة السياسية: أوروبا التي ترفع راية القانون وحقوق الإنسان في كييف، تدوسها في العيون والداخلة.

هكذا يُكافأ الاحتلال المغربي، وتُعاقب الشعوب التي تصر على حقها في الحرية، لكن في المقابل، يتأكد يوماً بعد يوم أن القضية الصحراوية لا تموت، وأن كل هذا الصمت الأوروبي لا يستطيع دفنها، بل يزيدها اشتعالاً. فاليوم لم تعد هذه الفضيحة تمر مرور الكرام في الإعلام الإسباني، بل تتسع دائرة الغضب داخل النقابات الزراعية والمنظمات الحقوقية، التي بدأت تدرك أن الصحراء الغربية ليست مجرد صحراء بعيدة، بل رمز للكرامة الأوروبية المسلوبة أمام سلطان المال والمصالح.

الفضيحة الإسبانية – المغربية الأخيرة لا تكشف فقط تهاوي الأخلاق السياسية في مدريد، بل تؤكد أن المخزن استطاع أن يُخضع القرار الإسباني عبر الابتزاز الاقتصادي والضغط بالهجرة والإرهاب.

لكن التاريخ لا يرحم، وحبل المصالح قصير. فحين تُباع القيم من أجل الطماطم، يُباع معها كل ما تبقى من سيادة واستقلال، لتتحول مدريد إلى مجرد مكتب علاقات عامة لحكومة الرباط في الاتحاد الأوروبي.

إن صمت إسبانيا عن جريمة “الطماطم الصحراوية” ليس إلا استمراراً لصمتها عن الاحتلال المغربي، وعن معاناة الشعب الصحراوي الذي يُنهب تحت أنظارها منذ نصف قرن.

لكن هذه المرة، لم يعد الصمت مجانياً، بل أصبح مفضوحاً ومكتوباً على كل علبة طماطم تُباع في رفوف المتاجر الإسبانية بملصق “صُنع في المغرب”…
بينما الحقيقة تقول: صُنع في أرضٍ محتلة، صُنع في الصحراء الغربية.

رابط دائم : https://dzair.cc/m44l نسخ