الأحد 18 ماي 2025

في محاولة يائسة لمحو وصمة عارها الاستعماري.. توسيع فرنسا لنطاق قانون “تعويضات الحركى” خطوة مستفزّة للذاكرة الجزائرية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
في محاولة يائسة لمحو وصمة عارها الاستعماري.. توسيع فرنسا لنطاق قانون “تعويضات الحركى” خطوة مستفزّة للذاكرة الجزائرية

في خطوة مشبعة بالنفاق التاريخي والغطرسة الاستعمارية الجديدة، قام المجلس الدستوري الفرنسي بتوسيع نطاق قانون 2022 المثير للجدل بشأن تعويض “الحركى” – أولئك الذين خانوا الجزائر خلال حرب التحرير – ليشمل المزيد من الأفراد العائدين إلى وطنهم، بغض النظر عن وضعهم العسكري. إن هذا القرار، الذي أشادت به المؤسسة الفرنسية باعتباره “شاملاً”، هو في الواقع عمل مخزٍ من أعمال المراجعة التي تسعى إلى المساواة بين المتعاونين والضحايا، في حين يعزز كل ذلك رفض فرنسا لمواجهة جرائمها الاستعمارية في الجزائر.

ولنكون واضحين أكثر: إن الحركى لم يكونوا ضحايا. كانوا مساعدين للجيش الاستعماري الفرنسي، أفراد اختاروا الوقوف ضد شعبهم دعماً لقوة احتلال. ولم يكن إعادتهم إلى فرنسا بعد الاستقلال بمثابة نفي؛ لقد كان ذلك إخلاءً من قبل أسيادهم، نتيجة للاختيارات التي اتخذوها عندما اختاروا جانب القمع.

والآن، وتحت ذريعة الكرامة الإنسانية وظروف ما بعد الإعادة إلى الوطن “اللاإنسانية”، تعمل فرنسا بأثر رجعي على تحويل هؤلاء المتعاونين إلى رموز للمعاناة ــ يستحقون التعويض من الدولة والتقدير الأخلاقي. إن هذا الانقلاب الأخلاقي ليس مهينًا فحسب، بل إنه خطير أيضًا.

كانت القضية التي أدت إلى هذا التعديل القانوني تتعلق بأسرة جندي سابق من أصل شمال أفريقي عاد إلى فرنسا بعد عام 1962 وتم إيواؤهم في ما وصف بأنه “ظروف مهينة”. وقرر المجلس الدستوري، في حكم مغلف بلغة إنسانية، أن كل من تعرض لمثل هذه الظروف – سواء كانوا حركى أم لا – يجب أن يحصلوا على تعويضات. ومن خلال القيام بذلك، تعمل فرنسا على طمس الخطوط الفاصلة بين المقاومة والخيانة، وبين الظالمين والمظلومين.

ورحب المحاميان أنطوان أوري ورافائيل بونيلو بروشير، اللذان مثلا الأسرة، بالحكم ووصفاه بأنه “عادل”. ولكن العدالة في السياق الاستعماري الفرنسي تظل انتقائية ــ فهي تقدم التعويضات للجانب الخطأ من التاريخ، بينما تنكر حتى الاعتراف الرمزي للملايين من الجزائريين الذين قتلوا وعذبوا وهجروا واغتصبوا تحت الحكم الفرنسي.

دعونا لا ننسى أن القانون الأصلي الصادر في 23 فبراير 2022 لم يولد من العدالة، بل من جهود ماكرون المستمرة لكسب ود جماعات الضغط اليمينية المتطرفة وجماعات “الأقدام السوداء” في فرنسا. إن اعتذاره الفارغ للحركى في عام 2021 – حيث أعلن بشكل مخجل أن “فرنسا خذلتهم” – هو جزء من حملة أوسع لإعادة كتابة التاريخ، حيث يتم تصوير المستعمر على أنه معيب ولكنه خير، ويتم تقليص المستعمر إلى مجرد حواشي أو ما هو أسوأ من الأشرار.

وبعد أن تم صرف أكثر من 176 مليون يورو بالفعل من خلال اللجنة الوطنية المستقلة، وإضافة 6000 “مستفيد” جديد، فإن الدولة الفرنسية تنفق الملايين ليس لإصلاح جراح الاستعمار، بل لإعادة تأهيل المتعاونين معها.

وفي الوقت نفسه، لا تتلقى الأسر الجزائرية التي عانت من قصف النابالم، والإعدامات الجماعية، ومعسكرات الاعتقال، والاختفاء القسري أي اعتراف – ناهيك عن التعويضات. إن حقيقتهم يتم إسكاتها من قبل نفس الجمهورية التي تستمر في الاحتفال بـ “مهمتها الحضارية” في حين تدفع المال لإسكات إنجازاتها.

إن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها فرنسا ليست عدالة، بل هي خيانة فظيعة للذاكرة. إنها إهانة متجددة لشهداء تحرير الجزائر، وتذكير صارخ بأن العقلية الاستعمارية لا تزال حية وتنمو في أروقة باريس.

رابط دائم : https://dzair.cc/2yj3 نسخ