الخميس 25 ديسمبر 2025

فيضانات إقليم آسفي: جمعيات حقوقية مغربية تندّد بعجز سلطات المخزن عن حماية المواطنين

نُشر في:
فيضانات إقليم آسفي: جمعيات حقوقية مغربية تندّد بعجز سلطات المخزن عن حماية المواطنين

في مشهد مأساوي جديد يؤكِّد تدهور علاقة الدولة المغربية بشعبها، كشفت فيضانات مدينة آسفي عن هشاشة البنى التحتية، وعن إهمال متراكم وتواطؤ مؤسساتي مع الفساد على حساب حياة المواطنين، وذلك وفق تحليلات هيئات سياسية وحقوقية ومدنية ينتقدون تدبير الحكومة والمخزن بشكل صريح.

الأسبوع الماضي، غرقت مدينة آسفي تحت سيول مفاجئة جرّفت منازل وأودت بحياة 37 شخصاً في ساعات قليلة، تاركة دماراً بشرياً ومادياً عميقاً عند السكان الذين يعيشون في أحياء سكنية هشة وضعيفة الحماية. المأساة، رغم شدتها، لم تُفسّرها سلطات المخزن بشكل كامل، بل تمّ التعامل معها في البداية كـ “حوادث نادرة” أو ظاهرة طبيعية بحتة، متجاهلين الكثير من التحذيرات والخطر المتكرر في المنطقة.

لكن ردود الفعل الحقوقية والسياسية انطلقت بسرعة لتقول شيئاً مختلفاً تماماً: ما حدث ليس “قدرًا” ولا “حادثًا مفاجئًا”، بل نتيجة مباشرة لسوء التخطيط وتدهور البنى التحتية وتواطؤ المخزن مع الفساد البنيوي الذي طال قطاعات حيوية مثل إدارة المياه والتعمير وتنمية المدن الساحلية.

عدد من الهيئات الحقوقية، كما نقلت تقارير إعلامية، ربطت بأصابع الاتهام بين الكارثة وبين غياب إرادة سياسية حقيقية لحماية المواطنين، معتبرين أن الإهمال المزمن للبنية القديمة لوادي الشعبة، وضعف منظومة التحسيس والإنذار، والامتناع عن اتخاذ إجراءات وقائية مبكرة، كلها تراكمات أدّت إلى تفاقم حجم الخسائر.

ويقول نشطاء إن ما يجعل هذه الكارثة أكثر إيلاماً هو التعامل الأمني والإداري نفسَه الذي ظهر في أزمات أخرى في السنوات الأخيرة: قصور في ردود الفعل، التبرير بالظروف الطبيعية، والتركيز على “الاستعراضات الكبرى” بينما تبقى حياة المواطنين ومعيشتهم في ذيل الأولويات. هذه السياسات أثارت غضب الفاعلين المدنيين الذين رأوا أن ما وقع في آسفي يجسّد فشل السياسات العمومية في حماية السكان، وفي تحقيق قدر من العدالة المجالية الحقيقية.

ليس هناك شك في أن السيول كانت قوية، لكن الأسئلة الحقيقية التي يطرحها المجتمع المدني والمحللون تتجاوز حجم الأمطار نفسها، إلى الاختلالات البنيوية: لماذا تُترك أودية هامّة دون صيانة؟ لماذا لا يتم تحديث خرائط المخاطر وإشراك السكان في آليات التحسيس؟ لماذا لا تُحوَّل الميزانيات الضخمة المخصصة للإنشاءات الكبرى إلى حماية فاعلة للمواطنين؟

في ظل هذا الاحتقان، ارتفع الضغط القانوني، حيث رفعت الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب دعوى قضائية ضد الحكومة مطالبة باعتبار آسفي “منطقة منكوبة” لتعويض الضحايا وتمكينهم من آليات الحماية القانونية والمالية المنصوص عليها في القانون المغربي.

كما دعت هيئات حقوقية إلى فتح تحقيق مستقل وجدي للكشف عن المسؤوليات الإدارية والتقنية خلف الفاجعة، لا سيما في ملفات صرف الميزانيات في ما يُسمّى “رد الاعتبار للمدينة القديمة” ومشاريع الترميم التي لم تنتج حماية فعلية لحياة المواطنين.

وتزامن هذا الغضب مع انتقادات أخرى تطال سياسات الدولة في التعامل مع الحراكات الاجتماعية ونشطاء الشباب، الذين واجهوا قمعًا واعتقالات تعسفية قبل كأس أمم إفريقيا، ما يعكس منطقًا واحدًا في الحكم: الإغلاق والإداري أكثر منه حماية واحترامًا لحقوق وحياة الناس.

وفي المحصلة، تُظهر فيضانات آسفي أن ما يُسمّى “السياسات التنموية” في المغرب لا تزال مجرد شعارات براقّة، لا تُترجم إلى حماية فعلية للناس على الأرض. لقد كشفت الكارثة فجوة عميقة بين خطاب السلطة وواقع المواطن اليومي، وجعلت من الإفلات من المحاسبة نهجًا متكررًا، لا استثناءً. ما لم تتعامل الدولة مع هذه القضايا بوضوح ومساءلة حقيقية، فإن الكارثة القادمة — لا محالة — ستكون أكبر وأقسى.

رابط دائم : https://dzair.cc/fkny نسخ

اقرأ أيضًا

×
Publicité ANEP
ANEP PN2500022