في الوقت الذي تهز فيه فيضانات مدينة آسفي المجتمع المغربي وتلقي بظلالها على حياة آلاف المواطنين، يتكرر المشهد نفسه: صورة رئيس الحكومة يتنحى في مقعده متفرجًا على كارثة إنسانية ضخمة، في حين تتساءل وسائل الإعلام والمواطنون المغاربة عن غياب مسؤولية حقيقية وآليات إنقاذ فعّالة في مواجهة الكوارث الطبيعية والاجتماعية.
الفاجعة في آسفي لم تكن مجرد حدث قسري في طبيعة تتقلب، بل ظهرت كرمز صارخ لإهمال متواصل من قبل الحكومة والسلطات المركزية التي عجزت عن اتخاذ تدابير استباقية لحماية أرواح السكان وممتلكاتهم. بينما اعتمد رئيس الحكومة عزيز أخنوش على تعزية مقتضبة في جلسة الأسئلة البرلمانية، تكشف تلك الاستجابة الرسمية هشاشة الدولة في معاييرها الإنسانية والسياسية.
ولم يقتصر النقد على الأحداث المفاجئة فقط؛ فقد أعلن محامون مغاربة عن نيتهم رفع دعاوى قضائية ضد رئيس الحكومة أمام المحكمة الإدارية، مطالبين بإعلان حالة الطوارئ وإعادة تقييم السياسات الحضرية والتنموية التي أدت إلى تفاقم الخسائر، في موقف نادر من أوساط مهنية ضد تجاهل السلطة المركزية لما يعتبرونه مسؤولية سياسية مباشرة.
الأوضاع الاجتماعية على المحك: فشل السياسات وتردّي الخدمات
وفيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية، تتواصل انتقادات الفضاء الحقوقي المغربي لحكومة المخزن، معتبرة أن سياسات السلطة في الاقتصاد والتسيير لم تكن سوى إمعان في تهميش الفئات الشعبية وتراجع القدرة الشرائية، في وقت يُفترض فيه أن تكون الدولة أكثر حرصًا على التوازن الاجتماعي.
كذلك تتصاعد الاحتجاجات في قطاعات حيوية مثل الصيادلة الذين عادوا إلى الميادين، يُحمّلون الحكومة مسؤولية تهديد الأمن الدوائي الوطني، متهمين الوزارة الوصية بـ«التنكر للالتزامات» وتبني قرارات آحادية تؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين. هذا التصعيد يشير إلى عيب في الاستشراف والتخطيط الحكومي، ويتحول إلى اتهام صريح لسلطة لا تستشعر قلق المجتمع ولا تقدّر المخاطر.
الدولة والمراقبة: تراجع الالتزام بحقوق الإنسان
هذه الانتقادات ليست معزولة؛ فقد حذر حزب التقدم والاشتراكية من التراجعات الحقوقية في عهد الحكومة الحالية، مطالبًا بإعادة الالتزام الكامل بمنظومة حقوق الإنسان، في إشارة واضحة إلى أن السلطة القائمة لم تحقق تقدمًا حقيقيًا في مجال الحريات الأساسية.
تظهر هذه الصورة كأنها دولة منظّمة أساسًا لإدارة الأزمة وليس لمنعها، نظام يفتح الطريق أمام الاحتجاجات الاجتماعية، ويغلقها عندما تتجاوز حدود التعبير المقبول، تارة بالتجاهل وتارة بتبني سياسات إجرائية لا تعالج جذور المشاكل.
بين المخزن والمجتمع.. انفصال متزايد
الأحداث الأخيرة في المغرب — من فيضانات آسفي إلى احتجاجات الصيادلة والتحذيرات الحقوقية — لا تعكس فقط عجزًا مؤقتًا لحكومة في أداء واجباتها، بل تكشف صراعًا عميقًا بين النظام السياسي القائم والمطالب الحقيقية للمجتمع المغربي. يبدو أن إدارة الأزمة لم تعد كافية؛ ما يطالب به المواطنون اليوم هو إعادة توازن السلطة، وتعزيز المساءلة، ومحاسبة أي جهة مسؤولة عن الفشل المتكرر في حماية حقوق وكرامة الشعب المغربي.
