28 أكتوبر، 2025
ANEP الثلاثاء 28 أكتوبر 2025

كتاب استقصائي جديد لصحفيين فرنسيين: المخزن أبرم صفقة استخباراتية مع الكيان الصهيوني لاغتيال المعارض المغربي بن بركة مقابل تجسس المغرب على القمة العربية

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
كتاب استقصائي جديد لصحفيين فرنسيين: المخزن أبرم صفقة استخباراتية مع الكيان الصهيوني لاغتيال المعارض المغربي بن بركة مقابل تجسس المغرب على القمة العربية

بعد مرور ستين عامًا على واحدة من أكثر القضايا غموضًا في التاريخ السياسي المغربي والعلاقات الدولية المعاصرة، عاد اسم المهدي بن بركة، المعارض البارز والمفكر التقدمي المغربي، إلى واجهة الأحداث من جديد، مع صدور كتاب استقصائي جديد للصحفيين الفرنسيين ستيفن سميث ورونين بيرغمان تحت عنوان «نهاية الأسرار» (La fin des secrets)، يكشف فيه المؤلفان وثائق وشهادات غير مسبوقة حول تفاصيل اختطاف واغتيال بن بركة في باريس سنة 1965، في ما وصفه الكاتبان بأنه “جريمة دولة متعددة الأطراف” تورطت فيها المغرب والكيان الصهيوني وفرنسا بدرجات مختلفة.

المعارض الذي أرعب الملوك

كان المهدي بن بركة أحد رموز النضال الوطني المغربي ضد الاستعمار الفرنسي، قبل أن يتحول إلى أبرز معارض سياسي لحكم الملك الحسن الثاني. وقد اشتهر بتوجهاته اليسارية وانخراطه في المشروع الأممي لحركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ما جعله يُلقب بـ«دينامو العالم الثالث».

لكن نشاطه الواسع وتحالفاته الدولية، خاصة مع الدول الاشتراكية وقتها، أثارت مخاوف القصر في الرباط، الذي رأى فيه خطرًا وجوديًا على النظام الملكي. وبحسب التحقيق الجديد، فإن الملك الحسن الثاني أعطى الضوء الأخضر لتصفيته، بعدما رفضت فرنسا تنفيذ العملية على أراضيها، فالتجأ النظام المغربي إلى التعاون السري مع جهاز الموساد الإسرائيلي.

تعاون استخباراتي مقابل خدمة سياسية

يؤكد الكتاب أن الموساد الصهيوني ساعد المخابرات المغربية على تحديد مكان بن بركة في باريس، في إطار ما عُرف آنذاك بـ«عملية إيترنا» (Opération Eterna). وفي المقابل، منح المغرب لتل أبيب تسجيلات سرّية لقمة عربية عُقدت في الدار البيضاء سنة 1965، تضمنت معلومات عسكرية حساسة عن استعدادات الجيوش العربية ضد الكيان الصهيوني.

وبهذا «التبادل» — كما يصفه الصحفيان — باع النظام المغربي رأس بن بركة مقابل دعم استخباراتي صهيوني، فيما اكتفت السلطات الفرنسية بغض الطرف عن العملية التي تمت على أراضيها.

اغتيال وتواطؤ وصمت رسمي

تفيد الوثائق الجديدة بأن بن بركة اختُطف يوم 29 أكتوبر 1965 من أمام مقهى «ليب» الشهير في باريس، على يد عناصر فرنسية متعاونة مع المخابرات المغربية. وبعد أيام من الاحتجاز والتعذيب، تم اغتياله على يد الجنرال محمد أوفقير ومساعده أحمد الدليمي داخل فيلا بضواحي باريس، قبل أن يُنقل جثمانه سرًّا ويُتلف لإخفاء أي أثر للجريمة.

التحقيق يخلص إلى أن «المغرب خطط، وإسرائيل سهّلت، وفرنسا تواطأت»، مشيرًا إلى أن أعلى المستويات في الدول الثلاث كانت على علم مسبق بالعملية أو اختارت الصمت حيالها.

الحقيقة المؤجلة

أثار الكتاب ضجة واسعة في الأوساط الإعلامية والسياسية الفرنسية، إذ يعيد فتح ملف ظلّ من أكثر الملفات حساسية في العلاقات المغربية-الفرنسية، ويعيد طرح السؤال الأخلاقي والسياسي: من المسؤول حقًا عن اغتيال بن بركة؟

ورغم مرور ستة عقود على الجريمة، فإن جثمان بن بركة لا يزال مجهول المصير، فيما تواصل عائلته المطالبة بالكشف الكامل عن الحقيقة وإنهاء ما تصفه بـ«صمت الدول المتواطئة».

ويخلص الكاتبان إلى أن قضية بن بركة ليست مجرد حادثة اغتيال سياسي، بل نموذج صارخ لتحالفات خفية بين أنظمة الاستخبارات، حيث تذوب الحدود بين المصالح القومية والجرائم السياسية.

رابط دائم : https://dzair.cc/58ak نسخ