يبدو أنّ بداية منافسة كأس أمم إفريقيا 2025 الجارية وقائعها بالمغرب إلى غاية 18 جانفي المقبل، لم تكن كما تتمناها الاتحادية الإفريقية لكرة القدم ولا رئيس الجامعة الملكية فوزي لقجع الذي وجد نفسه في ورطة كبيرة بسبب عزوف الجماهير المغربية عن التنقل إلى الملاعب خلال مباريات الجولة الأولى من دور المجموعات، صورة تحمــــل بوادر الفشل للنسخة الـ 35 من “الكان” وتخالف التوقعات التي رسمتها الدعاية المغربية، ففي وقت كانت فيه أبواق نظام “المخزن” تتغنى بنجاح مزيّف تفاجأ الجميع بالحقيقة الصادمة، نكهة المباريات التي ألفناها عن الجماهير الإفريقية غائبة تماما وكأنّ الأمر يتعلّق بمباريات الهواة. فباستثناء لقاء المنتخب المغربي في افتتاح “الكان” أمام جزر القمر الذي حضره حوالي 60 ألف مناصر، وبنسبة قليلة مباراة مصر وزيمبابوي التي حضرها عدد معتبر بعد فتح الأبواب مجانا، فإنّ كل المباريات التي لعبت في الأيام الثلاثة الأولى جرت بمدرجات شاغرة تماما، في صورة تعكس الواقع الحقيقي بخصوص أنّ كأس الأمم الإفريقية تعتبر آخر اهتمام الشعب المغربي المغلوب على أمره، والذي يعيش تحت وطأة الأزمات في ظل تراجع القدرة الشرائية بشكل رهيب.
فشل غير مسبـــــــوق في تاريــــخ كأس أمــــــم إفريقيا
ويعكس الغياب الكلي للجماهير المغربية عن متابعة مباريات كأس الأمم الإفريقية الفشل الذريع للنسخة الحالية من المنافسة الأغلى في “القارة السمراء” حتى الآن، فالبرغم من الدعاية الكبيرة لنظام “المخزن” وتسخير كل الوسائل الممكنة من أجل الترويج للعرس القاري، وحث الجماهير على التنقل بقوة إلى المدرجات، إلا أنّ التركيز على مباريات البلد المضيف ومقاطعة بقية المنتخبات الأخرى وضع بوق “المخزن” فوزي لقجع في مأزق أمام “الكاف”، على اعتبار أنّ الحضور الجماهيري في النسخ الفارطة وحتى في البلدان التي تعاني على مستوى المعيشة والبنية التحتية كان كبيرا جدا مقارنة بالمغرب.
غياب الجماهــــير الإفريقية.. صفعة أخرى
ولم يقتصر الغياب على الجمهور المحلي، بل شمل أيضا الجماهير الإفريقية التي عادة ما تتنقل بقوة لدعم منتخباتهما في معظم الدول الإفريقية، على غرار ما حدث في النسخ الثلاث الماضية بكل من مصر الكاميرون وكوت ديفوار على التوالي، وهو ما يفتح الباب أمام التأويلات، بخصوص الأسباب وراء ذلك، وفي مقدمتها غلاء تكاليف الإقامة والتنقل، فضلا عن مخاوف حقيقية من أساليب التعامل الأمني وقمع الشرطة، كما يتداول في أوساط جماهيرية وإعلامية إفريقية، إلى جانب ذلك، فإن الصورة العامة لغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في المغرب، خاصة خلال فترة التظاهرات الكبرى، ساهمت في تثبيط عزيمة العديد من المشجعين الأفارقة، الذين فضلوا متابعة منتخباتهم من بلدانهم، بدل خوض مغامرة غير مضمونة.
“السماسرة” يعبثـــــــــــون بتذاكــــــر “الكــــان”
وإلى جانب العزوف الكبير للجمهور المغربي عن متابعة مباريات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، فإنّ النقطة السوداء الأخرى هي استيـــلاء “السماسرة” على معظم التذاكر من أجل إعادة طرحها في السوق السوداء بأثمان باهظة، فرغم تأكيدات الاتحادية الإفريقية على أنّ تذاكر اللقاء الافتتاحي نفدت عن آخرها إلا أنّ ما شاهده المتتبعون هو عكس ذلك، حيث بدت المدرجات غير ممتلئة، مما أثار التساؤلات حول مصير التذاكر وكيفية توزيعها، وحسب بعض التقارير الصحفية فإنّ السبب وراء هذه الفجوات يعود إلى ذهاب عدد مهم من التذاكر إلى السوق السوداء، حيث تم احتكارها من قبل السماسرة والمضاربين، لإعادة طرحها بأسعار خيالية، إذ بلغت تذاكر المباراة الافتتاحية حوالي 4 آلاف درهم في وقت أنّ ثمنها الحقيقي هو 150 درهم. وفي بلد يعاني فيه جزء واسع من السكان من صعوبات معيشية وانتشار الفقر، تبدو هذه الأسعار بعيدة عن متناول العائلات والشباب، وهو ما يفسّر غياب الجماهير عن المدرجات، والمفارقة أن البطولة القارية، التي يُفترض أن تكون عرسًا شعبيًا، تحولت إلى حدث نخبوي، في وقت تتعالى فيه أصوات ترى أن الأولوية يجب أن تكون للتعليم والصحة وتحسين المعيشة بدل إنفاق الملايير على التظاهرات الرياضية.
تذاكر مبــــاريات الجزائــــر تفضح المستور
ورغم أنّ الاتحادية الإفريقية لكرة القدم أعلنت في وقت سابق عن نفاد تذاكر مباريات المنتخب الجزائري في دور المجموعات لكأس الأمم الإفريقية 2025، إلا أنّ المفاجأة الصادمة هي استحواذ المغاربة بشكل شبه كلي عليها في محاولة لإعادة بيعها لأنصار “الخضر” بأسعار مضاعفة، حيث وجد الجزائريون الذين تنقلوا إلى مدينة الرباط لدعم الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيتش وأشباله لتحقيق مشاركة مشرفة في “الكان”، وجدوا أنفسهم بدون تذاكر أمام جشع “السماسرة” الذين أعادوا طرحها بأسعار مضاعفة في السوق السوداء، الأمر الذي جعل الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، وعلى رأسها وليد صادي، تتدخل بقوة لدى نظيرتها الإفريقية مطالبة بإعادة فتح عملية بيع التذاكر لعشاق “الخضر”، في خطوة فضحت ما يجري بالمغرب، وأكّدت أنّ نفاد التذاكر في وقت قياسي ليس معناه الإقبال الكبير على لتابعة مباريات “الكان”، بل هو محاولة للاستثمار في الشغف الجماهيري لأنصار المنتخب الجزائري.
مطالب بفتــــح المدرجات مجانا للجماهـــير
وفي ظل الأزمة الكبيرة التي تهدد بفشل ذريع لكأس الأمم الإفريقية، ارتفعت فيه المطالب من قبل المغاربة لفتح المدرجات مجانا أمام الجماهيـــــر من أجل التنقل بقوة إلى الملاعب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة وأنّ الغياب الجماهيري أثار الكثير من الجدل والانتقادات لــــدى العديد من المتتبعين في الدول العربية والإفريقية.
العزوف الجماهيـــــري.. سينــــاريو يخيف “الفيفا”
وعلى ضوء هذه المستجدات، بدأت الأسئلة تطرح حول تنظيم المغرب لكأس العالم 2030، برفقة إسبانيا والبرتغال، إذ تراقب “الفيفا” عن كثب التفاصيل التي تصاحب كأس إفريقيا الحالية فيما يتعلق بالجانب التنظيمي والحضور الجماهيري الذي يعتبر ضعيفا جدا في بداية نسخة “الكان”، إذ تساءل الكثير عن مدى قدرة نظام “المخزن” وبوقه فوزي لقجع في تفسير هذا العزوف الجماهيري وتبريره للاتحاد الدولي للعبة، الذي سيكون أمام هاجس تكرار ما يحدث في “الكان” خلال المباريات التي يحتضنها المغرب في مونديال 2030، ولحسن الحظ أن بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال اللذان سيتحملان العبء الأكبر فيما يتعلق باللقاءات الهامة والأدوار المتقدمة مع المونديال.
