ألقى اليوم، وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، كلمة في إختتام اشغال الطبعة الـ 12 للندوة رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا، مسار وهران.
وفي التالي نص الكلمة كاملاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين
أصحاب المعالي الوزراء،
أصحاب السعادة السفراء،
السيدات الفضليات، والسادة الأفاضل،
ضيوف الجزائر الكرام،
ونحن نُسدل الستار على الطبعة الثانية عشر من مسار وهران، لا يسعني إلا أن أعرب لكم جميعاً عن بالغ تقديرِنا وتمام عِرفاننا نظير حضورِكم القوي، ومشاركَتِكم البارزة، وحرصِكم الأكيد والمؤكد على إبقاء شُعلةِ هذا المسار مُتَّقِدَةً لِتُنيرَ دربَ الحفاظ على الأمن والاستقرار في إفريقيا.
وأود أن أخص بالذِّكرِ والتحية والثناء أصحابَ المعالي كلاًّ من رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورئيس المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، ورئيس مجلس السلم والأمن الإفريقي، وممثلي كافة الدول الأعضاء في مجلسنا هذا، إلى جانب الأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن الأممي، الحاليون منهم، والمُقبِلون على الالتحاق بهذا المجلس بدءًا من الفاتح جانفي المقبل.
ولا يكتملُ الثناءُ والتنويهُ هذا دون الإشادة بجهود أصحاب السعادة كبار المسؤولين بمفوضية الاتحاد الإفريقي، وعلى رأسهم السيد مفوض السلم والأمن والشؤون السياسية، وكذا كبار المسؤولين بالأمانة العامة للأمم المتحدة، وفي مقدمتهم السيد مساعد الأمين العام المكلف بعمليات حفظ السلم.
والثناءُ موصولٌ كذلك لجميع الدول الشريكة في مسار وهران على دعمِها المتواصل ومساندتِها المعتبرة لهذا المسعى القاري الوحدوي.
كما لا يفوتني التنويه بالمشاركة اللافتة في أشغال هذه الطبعة، ولأول مرة منذ إطلاق مسار وهران، لممثلي الدول المُنتخَبة لعضوية مجلس الأمن الأممي من خارج القارة الإفريقية.
ويتعلق الأمر بكل من: مملكة البحرين، جمهورية كولومبيا، وجمهورية لاتفيا. أجدد لهذه الدول الشقيقة والصديقة تهانِينا الحارة على انتخابها وتمنياتِنا الصادقة لها بالتوفيق في أداء مهامِها وتقديمِ إسهاماتِها دعماً للسلم والأمن الدوليين.
إن مثل هذه المشاركة النوعية والوازنة، والتي جمعت فعلياً بين المكانة الرفيعة للمشاركين والعدد الكبير للوفود التي لبت الدعوة، لهي أبلغُ دليل على الصدى الواسع والاهتمام المتزايد الذي صار يحظى به مسار وهران على المستويين القاري والدولي.
والجزائر لا تجدُ في هذا الزخم المتجدد والمتنامي إلاَّ مبعثاً للاعتزاز ومصدراً للتحفيز وهي تتصدر هذا المسعى القاري الهادف لتوحيدِ الصوت الإفريقي وتعزيزِ تأثيرِه وصداه في مجلس الأمن الأممي وفي كافة منابر العمل الدولي متعدد الأطراف.
لقد كان لدورتِنا هذه أهميةٌ فريدة وَوَقْعٌ خاص، وهي التي سلطت الأضواء على أبرز التحديات الأمنية والسياسية التي تُواجهها قارتُنا الإفريقية في المرحلة الراهنة، تحدياتٌ تبعثُ على القلق، وتحدياتٌ تستوجبُ قَرْعَ أجراس الخطر، وتحدياتٌ تستنهضُ فينا حِسَّ الواجب القاري وروحَ المسؤولية الجماعية.
تحدياتٌ تتجلى راهناً في جُملةٍ من المخاطر الكبرى التي تتغذى بعضُها من بعض لِتُشكلَ ثُلاثيةً تُهيمنُ بتداعياتِها ومُخَلَّفَاتِهَا على المشهد الأمني في القارة بأسرها. إنها الثلاثيةُ المُشَكَّلَةُ من التغييرات غير الدستورية للحكومات، وآفة الإرهاب، وظاهرة التدخلات الخارجية.
فالتغييراتُ غير الدستورية للحكومات قد صارت وللأسف مشهداً مألوفاً في إفريقيا، لدرجة أن منظمتَنا القارية أُجبِرت مؤخراً على تعليق عضوية دولتين في غضون فترةٍ وجيزة لا تتعدّى اثنينِ وأربعينَ يوماً.
وآفةُ الإرهاب قد استفحلت واسْتَشْرَتْ، حتى صارت تفرض ذاتَها كأبرزٍ تهديد في منطقة الساحل الصحراوي أين سيطرت على مِسَاحَاتٍ شاسعة من الأراضي وَنَصَّبَتْ نفسها سلطاتٍ حاكمةً باسم الأمر الواقع.
والتدخلاتُ الخارجية قد طغت على أغلب مواطن التوتر والتأزم والصراع في إفريقيا، حتى أصبحت مفاتيحُ الفَكِّ والربط بأيدي الدخلاء الأجانب، لا الفرقاءِ المحليين من أصحاب الأرض والوطن، ومن أصحاب السيادة والقرار.
أمام حالة التأزم هذه، فإننا نُثمنُ ما أفضت إليه النقاشات خلال هذه الدورة من حتمية إعادةِ تَمَوْقُعِ وَتَمَوْضُعِ الاتحاد الإفريقي كفاعلٍ محوري في ميدان الوقاية من الأزمات وتسوية النزاعات. فمبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية يفرض نفسه اليوم، ليس كطموحٍ مشروع فحسب، بل كخيارٍ استراتيجي من شأنه أن يُجَنِّبَ قارتَنا مخاطرَ الاستقطابات الدولية الراهنة، وهي الاستقطاباتُ التي لا طائلَ منها سوى إعادةُ انتاج الأزمات، بصيغٍ أكبرَ وَطْأَةً، وأكثرَ حِدَّةً، وأشدَّ خطورةً.
ومن هذا المنظور، تأتي أهميةُ تعزيز العلاقة التكاملية بين مجلس السلم والأمن الإفريقي، من جهة، ومجموعة الأعضاء الأفارقة بمجلس الأمن الأممي، من جهة أخرى، وهو الموضوع الذي استأثر بجزءٍ هام من النقاشات والمداولات خلال هذه الدورة من مسار وهران.
وإن كان مجلسُنا الإفريقي مُطالَباً بالارتقاء بأدائه في معالجة قضايا السلم والأمن في قارتنا، فإن مجموعة الأعضاء الأفارقة الثلاث في المجلس الأممي مطالبةٌ هي الأخرى بمواكبة هذا الأداء وضمانِ امتدادِ نتائجِه وآثارهِ إلى المستوى الأممي.
فتجربتنا وتجاربُ أشقائنا الأفارقة بمجلس الأمن قد أكدت كُلَّهَا أهمية تعزيز الرابط التكاملي والوجودي بين منظمتنا القارية وممثليها بمجلس الأمن الأممي. وتجاربُنا هذه قد أثبتت ولا تزال تُثْبِتُ أن ما يصنع الفرق أو الفارق يكمن في خيار واحد، ألا وهو خيار الوحدة:
فوحدةُ مجلس السلم والأمن الإفريقي هي من تَصْنَعُ وحدةَ مجموعة الأعضاء الأفارقة بمجلس الأمن الأممي،
ووحدةُ مجموعة الدول الإفريقية بمجلس الأمن الأممي هي من تمنحُها وزناً ومصداقيةً وقوةً وثباتاً أمام التجاذبات والاستقطابات والانقسامات،
ووحدةُ مجموعة الدول الإفريقية بمجلس الأمن الأممي هي من تُكْسِبُهَا صوتاً نافذاً وقولاً فصلاً وتأثيراً بارزاً كلما تعلق الأمر بقضايا السلم والأمن في إفريقيا.
إن الحفاظ على وحدة الصف الإفريقي ووحدة الصوت الإفريقي قد شكلت في حد ذاتها مَبْلَغَ أَهْدَافِنَا ومُنْتَهَى مَقَاصِدِنَا خلال عضوية الجزائر بمجلس الأمن. ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أحيّي أشقّاءَنَا من جمهورية الصومال وجمهورية سيراليون الذين شاركونا حَمْلَ هذا المسعى النبيل.
كما أحيي في ذات السياق جمهوريّةِ غويانا التي قَوَّتْ نَبْرَةَ الصوتِ الإفريقي وَزَادَتْ صَدَاهُ اتساعاً في مجلس الأمن، بأن ضَمَّتْ إليه صوتَ منطقة الكاريبي، بصفتها الإقليمِ الإفريقي السادس.
ولأن مبدأ الوحدة الإفريقية هذا يختزل لوحده عُصَارَةَ التجربة الجزائرية بمجلس الأمن الأممي، فسأكتفي في ختام كلمتي هذه بالتذكير بوصية زعيمنا الإفريقي الراحل جوليوس نيريري، وهو القائل “الوحدة قد لا تجعلنا أغنياء، لكنها تجعل من الصعب تجاهلَ الدول والشعوب الإفريقية”.
“Unity may not make us rich, but it will make it difficult for Africa and for the African peoples to be disregarded.”
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
