لم يعد تأثير المؤثّرين في الجزائر مجرّد نشاط افتراضي، بل تحوّل إلى قوّة رأي عام تُعيد تشكيل الذوق والسلوك وحتى الخطاب اليومي داخل المجتمع
وبين موجات التفاهة من جهة، ونماذج الإلهام الإيجابي من جهة أخرى، يقف الجمهور الجزائري اليوم أمام ثنائية حادّة: أيُّ تأثير نريد؟ وأي مجتمع نُسهم جميعاً في بنائه؟
أولًا: مؤثّرون يصنعون الضجيج… لا القيمة
لا يمكن إنكار أنّ جزءاً معتبراً من محتوى المنصّات الجزائرية أصبح رهينة التفاهة:
محتوى فارغ مبني على الاستفزاز والإيحاءات والأمور المخلة بالحياء، مطاردة الترند بأي ثمن، حتى لو كان على حساب الأخلاق أو خصوصية الآخرين، تكريس الرداءة من خلال تحويل السلوكيات الشاذة إلى مشاهد “عادية” تُستهلك يومياً، واستغلال المتابعين عبر الدراما الملفّقة والعلاقات المفتعلة لجلب المشاهدات.
هذا التيار، رغم هشاشته، يحظى بانتشار كبير لأن منصّات التواصل تُكافئ الضوضاء أكثر مما تكافئ المحتوى الهادف، وهنا يكمن التحدّي الحقيقي: تأثير خطير يتسلّل إلى عقول المراهقين، ويعيد تشكيل نظرتهم للحياة بطريقة مشوّهة
ثانيًا: مؤثّرون يصنعون الفرق… ويبنون الوعي
في المقابل، يبرز وجه آخر للمشهد الرقمي: شباب يقدّمون محتوى علمي، ثقافي، تعليمي، إعلامي، رياضي وغيرها، بمعايير محترمة ومهنية، مؤثّرون يروّجون للخير والأخلاق ويصنعون مبادرات تضامن تُلهم الآلاف، مواهب استطاعت عبر منصّات بسيطة أن تحوّل شغفها إلى قيمة مضافة للمجتمع، نساء ورجال ينشرون الوعي، بعيداً عن الابتذال… هؤلاء يثبتون يوميًا أن التأثير الحقيقي ليس بعدد “المتابعين”، بل بنوعية الرسالة
ثالثًا: بين هذين الاتجاهين… الجمهور هو الفيصل
الخوارزميات تُبرز ما نمنحه نحن المتابعون، والجمهور لا يقلّ مسؤولية عن المؤثّر، لأن المتابعة صوت، والإعجاب تصويت، والمشاركة تضخيم.
المؤثرون في الجزائر ليسوا مشكلة ولا نعمة بحد ذاتهم، إنما هم مرآة المجتمع. إن ارتقينا بذائقتنا، سيرتقي المحتوى، إن طالبنا بالقيمة، سيختفي العبث وإن دعمنا الإيجابيين، سيظهر جيل جديد من صناع الوعي.
فإما أن نختار التأثير الذي يبني… أو نترك أنفسنا لتيّار يُفرّغ العقول ويشوّه الأجيال، والقرار في النهاية… قرارنا نحن.
