مجازر 8 ماي 1945: ذاكرة وطنية شاهدة على وحشية الاستعمار الفرنسي

في 8 ماي 1945، وبينما كان العالم يحتفل بنهاية الحرب العالمية الثانية، عاش الجزائريون واحدة من أفظع صفحاتهم التاريخية تحت نير الاستعمار الفرنسي. فقد قُمعت مظاهرات سلمية مطالبة بالاستقلال في مدن سطيف، قالمة وخراطة، بقوة السلاح والحديد، مخلّفة أكثر من 45 ألف شهيد، في مجازر موثّقة باتت تُعد من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين.
تصريحات أساتذة حول مجازر 8 ماي :
زغيدي: جريمة دولة بامتياز
يرى الدكتور محمد لحسن زغيدي، الباحث في قضايا التاريخ والذاكرة الوطنية، أن مجازر 8 ماي “ليست مجرد تجاوزات أمنية أو رد فعل ميداني، بل كانت جريمة دولة ارتُكبت بقرار سياسي فرنسي وبمشاركة الجيش والميليشيات الاستيطانية”.
ويؤكد أن هذه الأحداث “مثلت تحولاً حاسماً في مسار الحركة الوطنية الجزائرية، وأسهمت في قطع الطريق أمام أي وهم بإمكانية تحقيق الاستقلال عبر الطرق السلمية”.
بن نعوم: مسؤولية التوثيق وواجب المطالبة بالاعتراف
من جانبه، يشير الدكتور محمد بن نعوم، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة سطيف، إلى أن “التعامل مع هذه المجازر يجب أن يتجاوز حدود الإحياء الرمزي، نحو التوثيق الأكاديمي الدقيق لكل الجرائم المرتكبة، وشهادات الضحايا وذويهم، من أجل ترسيخ ذاكرة جماعية قوية”.
ويضيف: “استمرار الجزائر في مطالبة فرنسا باعتراف رسمي بجرائمها الاستعمارية، وعلى رأسها مجازر 8 ماي، ليس مجرد مطلب تاريخي، بل هو موقف سيادي يعكس وفاء الدولة الجزائرية لذاكرتها ولقيم العدالة والكرامة”.
تزامن القمع الدموي للمظاهرات مع ترويج فرنسا لنفسها كدولة مدافعة عن الحريات والديمقراطية بعد الحرب العالمية، ما فضح التناقض الصارخ بين خطابها الخارجي وممارساتها الاستعمارية. وقد خلص مؤرخون كُثر إلى أن هذه المجازر كانت القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين الجزائريين والسلطات الاستعمارية، ومهّدت، بشكل مباشر، لانطلاق ثورة أول نوفمبر 1954.
ونختم هذا بما صرح به البروفيسور مارتن إيفانز (Martin Evans) – أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة ساسكس البريطانية:
“المجازر التي ارتُكبت في سطيف وقالمة وخراطة عام 1945 تُعد واحدة من أفظع اللحظات في التاريخ الاستعماري الفرنسي. العنف لم يكن عشوائياً، بل منظماً وممنهجاً، وقد شكّل لحظة قطيعة بين الجزائريين والنظام الاستعماري، وأسس لفكرة أن الاستقلال لا يمكن أن يأتي إلا عبر النضال المسلح.”