8 أكتوبر، 2025
ANEP الأربعاء 08 أكتوبر 2025

ملكٌ بلا بوصلة… حين يفقد المخزن آخر أوراقه أمام جيلٍ لا يعرف الخوف

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
ملكٌ بلا بوصلة… حين يفقد المخزن آخر أوراقه أمام جيلٍ لا يعرف الخوف

من الرباط إلى الدار البيضاء، ومن فاس إلى مراكش، يخرج الشباب المغربي اليوم إلى الشارع كما لو أنهم يُسقطون جدار الصمت الذي شيّده المخزن طيلة عقود. لم تعد شعارات “الاستقرار” و”الخصوصية المغربية” قادرة على إخفاء حقيقة الانسداد السياسي والاجتماعي الذي يعيشه البلد.

الملك محمد السادس، الذي وعد منذ دستور 2011 بعهدٍ جديد من “الحكامة والشفافية”، يقف اليوم أمام جيلٍ وُلِد بعد تلك الوعود، ولم يرَ منها سوى تكدّس الثروة بيد أيدي قلة جشعة ومترفة، واحتكار القرار بيد المخزن، وتدهورٍ في كل ما يخصّ حياة المواطن المغربي: من التعليم إلى الصحة، ومن العدالة إلى الكرامة.

لقد فشل النظام الملكي المغربي في بناء عقدٍ اجتماعي حقيقي مع شعبه. فالسلطة ظلّت تدور في فلك البلاط، والقرارات تُتخذ في القصر، بينما الحكومة المنتخبة لا تتجاوز وظيفة التجميل الديمقراطي لواجهةٍ سلطويةٍ مغلقة. والنتيجة: بلد يعاني من اتساع الفوارق الطبقية، ومن نزيف الهجرة، ومن فقدان الثقة في المؤسسات.

الاحتجاجات الأخيرة التي يقودها جيل “زد” لم تكن حدثًا عابرًا. هي تعبير عن تحوّل ثقافي عميق في وعي الشباب المغربي، الذي لم يعد يهاب المخزن ولا يُصدّق شعارات “الخصوصية” التي تُستخدم كذريعة لقمع الحرية. هذا الجيل لا يطلب المستحيل، بل فقط دولة تحترم كرامته وتُحاسب الفاسدين وتفتح الباب أمام الأمل، لا أمام الولاءات.

ومع تصاعد هذه الموجة، يتّضح أن المشكلة ليست في الحكومة ولا في الوزراء، بل في بنية الحكم نفسها. إن الإصرار على حصر القرار في يد الملك ومحيطه يجعل أي إصلاح حقيقي مستحيلًا. فالمخزن، بطبيعته التاريخية، يقوم على التحكم لا على المشاركة، وعلى الولاء لا على الكفاءة.

لكن الزمن تغيّر. والمجتمع المغربي الذي عاش سنواتٍ طويلة من الخوف بدأ يرفع صوته. لم يعد يقبل أن يُدار مستقبل أبنائه من غرفٍ مغلقة في القصر، ولا أن يُساق باسم “الوطنية” إلى تبرير التطبيع مع الكيان الصهيوني أو الصمت عن الفساد والاحتكار.

الملك محمد السادس اليوم أمام مفترق طرق حقيقي:إما أن يختار طريق الإصلاح الجذري والانتقال إلى ملكية دستورية فعلية، يكون فيها الشعب مصدر القرار والسيادة، أو أن يستمر في إدارة بلدٍ يغلي فوق بركانٍ من الغضب، حتى تنفجر اللحظة التي لا تُبقي ولا تذر.

التاريخ لا يرحم من تأخر عن الإصلاح، ولا من راهن على الخوف بدل الثقة. والمغرب، رغم جراحه، لا يزال قادرًا على أن ينهض — إذا ما تخلّص من قيود المخزن، وعاد الحكم إلى الشعب الذي لا يريد سوى الكرامة والعدالة والحرية.

رابط دائم : https://dzair.cc/2tf8 نسخ