السبت 28 جوان 2025

من مهاجر غير نظامي إلى طباخ عالمي: رحلة نجاح الجزائري عيسى بن يجر

نُشر في:
بقلم: ليلى قيري
من مهاجر غير نظامي إلى طباخ عالمي: رحلة نجاح الجزائري عيسى بن يجر

في رحلة ملهمة تتجاوز حدود المستحيل، نجح الشاب الجزائري عيسى بن يجر في تحويل تحدياته إلى فرصة حقيقية، فرغم صعوبة الظروف التي مر بها، حيث بدأ كعاطل عن العمل يتجول في شوارع باريس للبحث عن لقمة عيش، وعالق في وضعية إقامة غير قانونية على التراب الفرنسي “بدون أوراق”، ليصبح اليوم طباخا عالميا معروفا يطهو لشخصيات بارزة حول العالم، من بينهم النجم الأمريكي براد بيت، والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.

حلم الطهي في فرنسا

عيسى بن يجر، الذي نشأ في قرية “كسنطنة” في ولاية بجاية بالجزائر كان في كل مرة يفتخر بأصوله حيث كان يقول في كل مرة: ” أنا من مواليد مدينة بجاية، كما أنني نشأت وترعرعت في جبال القبائل”.

المغترب المغامر أكد ان جده هو من كان يسانده ويعطيه الدفع المعنوي من أجل تحقيق أهدافه، وهو من منحه مفاتيح الحياة لأنه كان يقول له دوما ” انطلق، يجب أن تكون شجاعا”، هذه الكلمات كانت دافعًا لي في كل مرحلة من حياتي.

عيسى لم يكن يحمل سوى حلم واحد في قلبه حين وصل إلى فرنسا في عام 2010 هو أن يصبح “طباخا مشهورا”. الأخير قال عندما تحدث عن حياته ومسيرته الصعبة: “جئت إلى فرنسا لأتعلم الطهي على يد أفضل الطهاة مثل برنارد لوازو وبول بوكوز”، لكن الحلم كان كبيرا في البداية، لأنه واجه العديد من التحديات في بلد غريب لاسيما وأنه بدأ رحلته في فرنسا “كمقيم لا يمتلك الرخصة القانونية للعيش والعمل في فرنسا بطريقة نظامية “، الأمر الذي جعله يعيش في الظل طوال تسع سنوات كاملة.

الشيف الطموح تلمس حزنا شديدا في عينيه عندما يتذكر فترة وصوله إلى باريس، لأنه من جهة فقد جده ومن جانب اخر لأنه لم يكن يعرف أحدا، ولم يتمكن من الحصول على عمل إلا بعد ثلاثة أشهر عقب عملية بحث شاقة في المطاعم والمقاهي الباريسية.

التحديات التي شكلت شخصيته

رغم الصعوبات التي واجهها الشيف، إلا أنه لم يستسلم بالرغم من أن وضعيته كانت غير قانونية، ورغم أنه كان يعيش تحت وطأة البطالة والفقر.

عيسى الذي عاش فترة مريرة وقاسية عند وصوله إلى فرنسا قال: “بقيت 9 سنوات بدون أوراق، ورغم أن السنوات كانت طويلة وصعبة، لكنني كنت أؤمن بأن الأمل والعمل الجاد سيوصلانني إلى أهدافي وطموحاتي التي جعلتني أغادر بلدي وقريتي وأهلي”.

في فترة من الزمن، لم يكن عيسى يعرف أحدا في باريس، وكان يقضي أيامه في التنقل بين المطاعم والمقاهي في انتظار فرصة تغير مجرى حياته، لم يكن لديه وظيفة ثابتة وكان يعيش بين الأمل والتحدي، حتى جاء اليوم الذي تغير فيه مسار حياته.

الفرصة الذهبية

الفرصة الحقيقية جاءت عندما تمكن عيسى من دخول فندق رويال مونصو الفاخر في باريس والعمل مع الطهاة الكبار مثل برونو غيريه وبيير غانيير. تلك الفرصة كانت بمثابة نقطة انطلاقه نحو عالم الطهي الفاخر. هذه التجربة جعلت عيسى يقول «إن العمل مع هؤلاء الطهاة يعتبر شرفا كبيرا لي، لأنني تعلمت الكثير منهم”.
بفضل إصراره وتفانيه في العمل، أصبح عيسى من الطهاة البارزين في فرنسا، ليس فقط بسبب مهاراته العالية، بل أيضا بسبب قصته الملهمة التي تُعد مصدر إلهام للعديد من المهاجرين الذين يواجهون صعوبات مماثلة.

نجاحات عالمية

مع مرور الوقت، بدأ عيسى في العمل مع شخصيات عالمية، ليحقق شهرة واسعة في الوسط الفني والسياسي. في عام 2023، كان من بين الطهاة الذين أعدوا الطعام في حفل جوائز “سيزار”، حيث حظي بفرصة طهي الطعام لبراد بيت، ما جعله يحظى باهتمام إعلامي كبير. لكن أكثر اللحظات التي يفتخر بها كانت عندما أعد طعاما لرئيس فرنسي سابق في عام 2019 “نيكولا ساركوزي”، وهو ما يعتبره حدثا غير متوقع في حياته.

عيسى علق على هذا الإنجاز: “عندما يأتي رئيس الجمهورية ليشكرك ويقول لك: “أحسنت يا ابني”، فهذا شعور لا يمكن وصفه. كان أمرا لا يمكن تصوره حين كنت أعيش بدون أوراق.

ابن الجزائر الذي يعمل حاليا في فنادق 5 نجوم، أشرف أيضا على افتتاح الكثير من المطاعم الراقية على غرار مطعم فاخر في قلب باريس، في الدائرة الـ 15، يقدم أطباقا راقية بأسعار معقولة.

الزبائن يفاجؤون كل يوم بجمال الأطباق التي يقدمها، مما جعله يحظى بشعبية كبيرة بين سكان العاصمة الفرنسية.

إن تقديم الأطباق الفاخرة بأسعار معقولة يعتبر خطوة جريئة، لكن الأخير يعتقد أن الطعام يجب أن يكون متاحا للجميع، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو المالي.

العبرة من قصة عيسى بن يجر

قصة عيسى بن يجر تمثل نموذجا حيا للإصرار والنجاح. على الرغم من البداية الصعبة، استطاع عيسى أن يحقق أحلامه بفضل عمله الجاد وإيمانه بأن النجاح لا يتحقق إلا بالتحدي والصبر. هو اليوم مصدر إلهام لكل من يواجه صعوبات في حياته، كما أن قصته تبرز أهمية الأمل والعمل في تحقيق الطموحات، حتى في أصعب الظروف.

باختصار، عيسى الشاب الجزائري الذي انطلق من شوارع باريس دون أوراق رسمية، أصبح اليوم طباخا عالميا تحظى أطباقه بتقدير واحترام كبيرين من قبل أكبر الطهاة العالميين والجميع. قصته تعتبر دليلاً على أن الطموح والعمل الجاد يمكن أن يفتحا الأبواب المغلقة ويجعلان المستحيل ممكنا.

كيف تحول الحلم إلى واقع في عالم الطهي
من شوارع باريس إلى المطبخ العالمي
من شاب بلا أوراق إلى طباخ مشهور عالميا

ليلى قيري

رابط دائم : https://dzair.cc/dlao نسخ