في يوم يحتفي فيه العالم بالعمل والعمال، يبرز وجه من وجوه الكفاح الصامت الذي تخوضه المرأة الجزائرية يومياً بين جدران البيت وخارجها. نيلة بن رحال، صحفية جزائرية، تمثل نموذجاً حقيقياً للمرأة التي تحمل على عاتقها أكثر من وظيفة، وأكثر من مسؤولية، دون أن تتذمر أو تنتظر مقابلاً. هي ليست متزوجة، وليست أماً تقليدية، لكنها “أمّ” لخمسة قطط من ذوي الاحتياجات الخاصة، تتحمل رعايتهم بكل حب وتفانٍ، كأنهم أطفالها الحقيقيون.
تبدأ نيلة يومها في الثالثة والربع صباحاً، لا لترف، بل لتسقي هذه الأرواح الصغيرة بالعناية والرعاية. تقول إن مسؤوليتهم كبيرة، لأنهم يحتاجون لعناية خاصة: أحدهم أعمى، وآخر ثلاثي الأرجل وأعور، وآخر صماء وغمياء. لكن رغم التعب، تقول: “هم جزء مني، مسؤوليتهم مثل مسؤولية الأم لأطفالها”.
وفي وقت يتكئ فيه كثيرون على التكنولوجيا، لا تتوانى نيلة عن غسل ملابسها يدوياً، مستخدمة الصابون التقليدي ولوح الغسيل الخشبي، مراعاةً لحساسية والدتها من رائحة الغسالة. “تخيل أنك عاملة، وصحفية، وربة بيت في آن واحد… ومع ذلك لا أشتكي”، تقول بابتسامة تحمل في طياتها الكثير من الصبر.
خميسها، يوم عطلتها، ليس للراحة بل للعمل المضاعف: تنظيف شامل للبيت، التسوق، ترتيب، طهي، ومرافقة الأم أحياناً. تقول إن اختيار الخضر والفواكه من الأسواق مهمة دقيقة تتقنها بشهادة والدتها، التي تثق بذوقها وتدبيرها.
إن قصة نيلة ليست استثناء، بل تمثل آلاف الجزائريات اللواتي يعملن بصمت، دون منصات ولا أضواء، يقمن بأدوار عديدة في وقت واحد، ويصنعن من تفاصيل يومية بسيطة ملاحم صمود.
في عيد العمال، من المهم أن نعيد تعريف “العمل” ونوسّع دائرته ليشمل ذلك الجهد الخفي، غير المرئي، الذي تقوم به نساء مثل نيلة بن رحال. هو عمل لا تمنحه شهادات ولا أوسمة، لكنه جوهر العطاء الإنساني في أنقى صوره.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال ما توليه الدولة الجزائرية من اهتمام متزايد بدور المرأة، خاصة في ظل دعم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لقضايا المرأة وتمكينها على مختلف الأصعدة. فقد أكد مراراً أن المرأة الجزائرية شريك أساسي في بناء الوطن، مشدداً على ضرورة الحفاظ على حقوقها وتعزيز مكانتها في المجتمع ومواقع اتخاذ القرار. ويأتي ذلك ترجمة فعلية لإرادة سياسية تُثمّن التضحيات اليومية التي تقدمها نساء مثل نيلة بن رحال، وتؤمن بأن العطاء لا يُقاس فقط بالوظائف الرسمية، بل بكل جهد يُبذل بصمت وكرامة داخل البيت وخارجه.