الاثنين 12 ماي 2025

هكذا تمارس دويلة الإمارات تدخلاتها العسكرية تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
هكذا تمارس دويلة الإمارات تدخلاتها العسكرية تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”

على مدار العقد الأخير، تمكنت دويلة الإمارات من تسويق نفسها كواحة للتسامح ومركز إقليمي للعمل الإنساني، من خلال حملات دعائية مكثفة ومبادرات إغاثية تمتد من اليمن إلى السودان وأفغانستان وذلك كغطاء للتدخلات العسكرية.

إذ خلف هذا الوجه الخيري الناعم، تكمن استراتيجية سياسية محكمة، تستخدم فيها أبوظبي “المساعدات الإنسانية” كغطاء لتثبيت نفوذها الجيوسياسي وشرعنة تدخلاتها العسكرية.

اليمن: بين الإغاثة والتقسيم

منذ تدخلها العسكري في اليمن ضمن التحالف العربي عام 2015، قدّمت الإمارات نفسها كراعٍ للمساعدات الإنسانية في المناطق المحررة من الحوثيين. لكن هذه المساعدات كانت مرتبطة دوماً بمصالح عسكرية واضحة: تعزيز وجودها في سقطرى وعدن والمخا، ودعم ميليشيات انفصالية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي.

فعبر بناء المستشفيات وتوزيع المواد الغذائية، رسّخت الإمارات شبكة نفوذ أمني واقتصادي في جنوب اليمن، بينما كانت تدير في الخلفية قواعد عسكرية وموانئ استراتيجية.

ووفق تقارير حقوقية، استخدمت أبوظبي تلك “المساعدات” كوسيلة لشراء الولاءات وتجميل صورتها أمام المجتمع الدولي، رغم تورطها في انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، بما في ذلك إدارة سجون سرية وتعذيب معتقلين.

السودان: الذهب مقابل الدماء

في السودان، تتكرر الاستراتيجية ذاتها. فمن جهة، تدعم الإمارات مبادرات إغاثية ومساعدات غذائية محدودة، ومن جهة أخرى، يُتهم نظام أبوظبي بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع، الطرف الرئيسي في النزاع الأهلي الدامي منذ 2023.

تسعى الإمارات من خلال ذلك إلى حماية مصالحها في قطاع التعدين السوداني، خاصة الذهب، الذي يعد أحد الموارد الاستراتيجية التي تستهدفها الشركات الإماراتية.

وبينما تسوّق وسائل الإعلام الإماراتية لمشاريع “إعمار وتنمية” في السودان، تُتهم أبوظبي عملياً بإدامة الصراع عبر تمويل أطراف بعينها، واستغلال حالة الفوضى لزيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي.

المساعدات كأداة “لشراء الشرعية”

تعتمد الإمارات في استراتيجيتها على تحويل المساعدات الإنسانية من التزام قانوني وأخلاقي إلى أداة ضغط سياسي. فهي تقدم الدعم الإغاثي ضمن شروط تضمن لها النفوذ والسيطرة، وتربط المساعدات بمواقف سياسية تخدم أجندتها.

كما تستثمر في علاقاتها مع وكالات دولية لتلميع صورتها، رغم سجلها المثقل بالانتهاكات في اليمن وليبيا والسودان.

وعلى المستوى الدولي، تنفق الإمارات بسخاء على الحملات الإعلامية والتقارير الدعائية التي تبرز دورها الإنساني، في محاولة لمعادلة كفة الانتقادات الحقوقية التي تتصاعد ضدها في المؤسسات الأممية والدوائر الغربية.

ما وراء “دبلوماسية المساعدات”

في جوهرها، تنظر الإمارات إلى العمل الإنساني كأداة لإدارة معارك السمعة، وليس كسياسة أخلاقية قائمة على المبادئ. فهي توظف المساعدات لتبييض التدخلات العسكرية، وتهدئة الجبهات الاجتماعية التي قد تتحول إلى أزمات داخلية.

الإعفاء من غرامات الإقامة للسودانيين هو نموذج صارخ لهذه السياسة: مسكّن موضعي لجالية سودانية لا يمكن الاستغناء عنها اقتصادياً، ورسالة دعائية للعالم بأن الإمارات “تحمي السودانيين”، بينما في الحقيقة تُتهم بتأجيج الصراع الذي يفتك ببلادهم.

وعليه تحوّل الإمارات المساعدات الإنسانية إلى “استثمار سياسي” متعدد الأهداف: شرعنة النفوذ العسكري، شراء الولاءات المحلية، تحسين الصورة الدولية، وإدارة الأزمات الاجتماعية داخلياً.

وفي ظل استمرار تدخلاتها الإقليمية، تبقى هذه “الدبلوماسية الإنسانية” مجرد واجهة تخفي وراءها طموحات إمبراطورية توسعية لا تعبأ بالكلفة البشرية.

رابط دائم : https://dzair.cc/fnsf نسخ