4 سبتمبر، 2025
ANEP الخميس 04 سبتمبر 2025

هل تُلغِي “رايان إير” رحلاتها الجوية إلى الصحراء الغربية المحتلة بعد الفشل التجاري؟

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
هل تُلغِي “رايان إير” رحلاتها الجوية إلى الصحراء الغربية المحتلة بعد الفشل التجاري؟

طائرات شبه فارغة تكشف الأبعاد الاقتصادية والسياسية لعلاقة الشركة بالنظام المغربي

تثير البيانات الأخيرة حول رحلات شركة الطيران الأيرلندية منخفضة التكلفة “رايان إير” (Ryanair) نحو مدينة الداخلة في الصحراء الغربية المحتلة جدلاً واسعًا، بعدما كشفت أرقام رسمية أن الطائرات تُقلع شبه فارغة، ما يضع علامات استفهام حول جدوى هذه الوجهة ومدى ارتباطها بأهداف سياسية تتجاوز الحسابات الاقتصادية البحتة.

أرقام صادمة: مقاعد شبه فارغة

وفق معطيات هيئة المطارات الإسبانية (AENA)، لم تتجاوز نسبة ملء الطائرات المتجهة إلى مدينة الداخلة المحتلة 38% فقط خلال الأشهر السبعة الأولى من تشغيل الخطوط. ورغم أن معدل الإشغال العالمي للشركة يصل إلى 94%، إلا أن خطوط الصحراء الغربية جاءت بمردودية ضعيفة للغاية.

من مدريد، سجل الخط أداءً “أفضل” نسبيًا، حيث بلغ معدل الإشغال 77% في يوليو، مقابل 63% في مايو ويونيو.

من جزر الكناري، بدا الفشل أكثر وضوحًا، إذ لم يُبع سوى مقعد من كل عشرة، بل وصل الإشغال في مارس إلى 9% فقط، وفي يوليو لم يتجاوز 17% رغم كونه موسم الذروة السياحية.

وبالمقارنة، فإن شركة الطيران المحلية “بينتر” (Binter Canarias)، التي تؤمّن رحلات إلى الداخلة طوال العام، تحقق معدل إشغال يناهز 41%، وهو “أفضل” بكثير من نتائج “رايان إير”.

لماذا تستمر “رايان إير” رغم الخسائر؟

من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن استمرار تشغيل خطوط بمردودية لا تتجاوز نصف المعدل المطلوب يُعد مغامرة غير مبررة. غير أن قرار الشركة لا ينفصل عن العلاقات الوثيقة التي تربطها بالنظام المغربي، حيث تمتلك 14 طائرة تعمل في 13 مطارًا مغربيًا، وتسيّر أكثر من ألف رحلة أسبوعيًا باستثمارات تتجاوز 1,4 مليار دولار.

المخزن كعامل ضاغط ومحرض

بحسب مصادر متطابقة، لعب نظام المخزن دورًا مباشرًا في تحفيز الشركة وتشجيعها على فتح خطوط جوية نحو الداخلة المحتلة. فبالنسبة للسلطات المغربية، لم يكن الهدف تحقيق أرباح مالية للشركة، بقدر ما كان تثبيت واقع سياسي يتمثل في تقديم المدينة كوجهة سياحية “مغربية” طبيعية ضمن خريطة الرباط الرسمية.

وفي هذا السياق، يُطرح تساؤل جوهري: هل تعمل “رايان إير” كفاعل اقتصادي مستقل يتخذ قراراته على أساس الجدوى الربحية، أم أنها أصبحت أداة ضمن سياسة المغرب الرامية إلى تكريس احتلال الصحراء الغربية عبر البنية التحتية للنقل والسياحة؟ وهذا ما يبدو فعليا في الواقع.

البعد السياسي للنقل الجوي

يعتبر النظام المغربي أن فتح خطوط جوية نحو الداخلة خطوة في إطار مشروعه لجعل المدينة “بوابة سياحية واستثمارية” لإفريقيا الغربية. غير أن هذه الاستراتيجية تصطدم بالواقع:

ضعف الطلب السياحي الحقيقي، إذ لا تجذب الداخلة سوى عدد محدود من عشاق رياضات البحر، بينما تظل البنية التحتية السياحية والخدماتية محدودة.

الرفض الدولي لسياسة الأمر الواقع، حيث ما تزال الصحراء الغربية مدرجة ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، ما يجعل أي استثمار فيها عرضة للتشكيك القانوني والسياسي.

وبالنسبة لـ “رايان إير”، فإن هذه المعطيات تجعلها في موقف حساس: هل تواصل التضحية بمردودها الاقتصادي حفاظًا على علاقتها بالنظام المغربي، أم أنها ستضطر لإلغاء هذه الخطوط كما فعلت مع العديد من المطارات الإقليمية الإسبانية ذات النتائج الضعيفة؟

مستقبل الرحلات إلى الصحراء الغربية

يرى محللون أن استمرار هذه الرحلات مرهون بتوازن دقيق بين المصالح الاقتصادية والسياسية. فإذا لم تتحسن نسب الإشغال في المدى القريب، فإن الشركة ستجد نفسها أمام خيارين:

الإبقاء على الخطوط كاستثمار سياسي يرضي المغرب، ولو على حساب الخسائر المالية.

إغلاقها تحت ضغط المساهمين والسوق، خاصة وأن سياسة “رايان إير” تقوم على تقليص التكاليف وتحقيق هوامش ربح عالية.

وفي كل الأحوال، فإن هذه القضية تكشف أن النقل الجوي في الصحراء الغربية لم يعد مجرد نشاط اقتصادي، بل أصبح ساحة جديدة يتقاطع فيها التجاري بالسياسي، حيث تُستخدم الطائرات لتثبيت واقع استعماري مرفوض دوليًا، ولو كانت المقاعد شبه فارغة.

رابط دائم : https://dzair.cc/whdu نسخ