4 سبتمبر، 2025
ANEP الخميس 04 سبتمبر 2025

وفاة والد أيقونة حراك الريف ناصر الزفزافي: مأساة تكشف الوجه القاسي لسياسة المخزن تجاه المعتقلين وأسرهم

نُشر في:
بقلم: أحمد عاشور
وفاة والد أيقونة حراك الريف ناصر الزفزافي: مأساة تكشف الوجه القاسي لسياسة المخزن تجاه المعتقلين وأسرهم

في صمت ثقيل ووسط مشاعر حزن عميق، رحل أحمد الزفزافي، والد أيقونة حراك الريف ناصر الزفزافي المعتقل منذ عام 2017، تاركًا وراءه أسئلة موجعة حول دور النظام المغربي في تفاقم معاناة الأسر الريفية، وملف المعتقلين السياسيين الذي ظل جرحًا نازفًا في جسد المغرب المعاصر.

وفاة أحمد الزفزافي لم تكن حدثًا عابرًا، بل تحولت إلى رمز مأساوي يختزل سياسة القمع والتعنت التي ينتهجها المخزن. فقد ظل الرجل طوال سنوات يطالب بالإفراج عن ابنه وبقية معتقلي الحراك، متنقلًا بين الجمعيات الحقوقية والمؤسسات، وملوّحًا في كل مرة بأن استمرار حبس ابنه سيؤدي إلى كوارث إنسانية على أسر المعتقلين. غير أن صوته لم يجد آذانًا صاغية. ومع رحيله، بدا وكأن النظام المغربي أراد أن يبعث برسالة قاسية مفادها أن موت الآباء والأمهات لن يغير من معادلة السجون شيئًا.

سجون تُميت المعتقلين وأسرهم

رفض المخزن إطلاق سراح ناصر الزفزافي وغيره من نشطاء حراك الريف، رغم تدهور أوضاع أسرهم، يُظهر سياسة ممنهجة لتكسير الإرادة الفردية والجماعية عبر معاقبة المعتقل وأهله معًا. إن حرمان ناصر من وداع والده يُعتبر شكلًا صارخًا من أشكال العقاب النفسي، بل يمكن اعتباره انتهاكًا للقوانين الدولية التي تضمن للمعتقلين حقوقًا إنسانية أساسية.

هذه المأساة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن توفيت أمهات وآباء عدد من المعتقلين السياسيين والحقوقيين في المغرب وهم محرومون من احتضان أبنائهم. كما أن بعض السجناء أنفسهم تعرضوا للإهمال الصحي حتى فارقوا الحياة داخل السجون، في ظروف يلفها الكثير من الغموض، مثل حالات إضرابات عن الطعام انتهت بموت صامت لم تهتم به إلا قلة من المنظمات الحقوقية.

صور من الانتهاكات

المتابعون لملف السجون المغربية يدركون حجم الانتهاكات التي تُمارس يوميًا بحق السجناء السياسيين ونشطاء الحركات الاجتماعية. من بين أبرز هذه الانتهاكات:

العزل الانفرادي المطوّل الذي يُستخدم وسيلة لكسر معنويات المعتقلين.

الحرمان من الرعاية الصحية، رغم وجود أمراض مزمنة تحتاج إلى متابعة طبية دقيقة.

المنع من التواصل مع العائلة أو المحامين في بعض الفترات الحساسة.

المعاملة المهينة التي تشمل التفتيش العاري أو المصادرة المتكررة للأغراض الشخصية.

التنقلات التعسفية من سجن إلى آخر لإرهاق المعتقل وعائلته.

هذه الممارسات لا تكشف فقط عن عقلية انتقامية، بل تفضح غياب أدنى احترام للكرامة الإنسانية داخل المؤسسات العقابية المغربية.

أثر ممتد يتجاوز المعتقل

وفاة أحمد الزفزافي ليست مجرد خسارة شخصية لابنه المعتقل، بل هي جرح جماعي في ذاكرة الريف والمغرب ككل. فهي تذكّر بأن كل يوم يمر على المعتقلين في السجون هو يوم إضافي من المعاناة لعائلاتهم، التي تُعاقب بالحرمان والتفكك الأسري. وفي بلد يرفع شعارات المصالحة والانتقال الديمقراطي، يشكّل استمرار هذه السياسات تناقضًا فاضحًا ينسف الخطاب الرسمي.

محمد زيان… سجين الرأي المهدد بالموت البطيء في زنزانات المخزن

ولا يمكن في هذا السياق تجاهل حالة المعتقل محمد زيان، المحامي المعروف ووزير حقوق الإنسان الأسبق، الذي يقبع في السجن منذ نهاية 2022 في ظروف صعبة للغاية. ورغم تقدمه في السن وتدهور وضعه الصحي، تصر السلطات المغربية على إبقائه خلف القضبان، معرضةً حياته لخطر الموت البطيء. زيان الذي قضى حياته مدافعًا عن قضايا الحريات وناقدًا لسياسات المخزن، وجد نفسه اليوم ضحية نفس الآلة القمعية التي طالت نشطاء الحراك والصحافيين والمعارضين.

إن وضع زيان يذكّر بشكل مأساوي بحالة ناصر الزفزافي، الذي حُرم من والده بعد وفاته وهو خلف القضبان. وإذا كان ناصر قد فقد والده خلال فترة اعتقاله، فإن زيان مهدد بأن يلقى مصيره هو نفسه داخل السجن في ظل الإهمال الصحي والضغط النفسي. وهكذا يتكرر المشهد المأساوي في المغرب: معتقلون سياسيون يُدفعون نحو الهلاك في الزنازين، فيما تدفع عائلاتهم ثمنًا مضاعفًا من الحزن والفقدان.

مأساة تفضح المخزن

في النهاية، يكشف رحيل والد ناصر الزفزافي عن الوجه الحقيقي لسياسة المخزن، القائمة على القمع واللامبالاة بمعاناة الناس. وهي سياسة لا تكتفي بسلب حرية المعتقلين، بل تمتد لتجعل من موت آبائهم وأمهاتهم ورقة ضغط إضافية. وبين جدران السجون، لا يزال مئات المعتقلين مهددين بالموت البطيء، فيما تظل أسرهم تُصارع الحرمان والألم.

إن هذه المأساة تضيف حلقة جديدة في مسلسل طويل من الانتهاكات الحقوقية التي تُمارَس في المغرب، وتدعو منظمات المجتمع المدني داخل البلاد وخارجها إلى رفع الصوت أكثر من أي وقت مضى، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يُفجع المغاربة بمآسٍ أخرى قد تكون أكثر قسوة.

رابط دائم : https://dzair.cc/otbu نسخ