الأمير المغربي هشام العلوي: استفحال اقتصاد الريع في المغرب ناتج عن هشاشة سيادة القانون والنظام يخشى الإصلاح الاقتصادي الجوهري

أحمد عاشور

في محاضرة ألقاها يوم 27 مارس الماضي، في مدرسة العلوم السياسية في باريس، تحدث الأمير هشام، ابن عم الملك محمد السادس، عن الوضع الاقتصادي الراهن في المغرب وعن استفحال “اقتصاد الريع” و”اعتماد البلاد على قطاع السياحة والأمطار”، مقدمًا رؤيته حول التحديات التي تواجهها البلاد، والتي تُبرهن عدم تفائله بـ”الاختيارات الاقتصادية الحالية” ملقبًا إياها بـ”عملية إيجار فاشلة”.

وفي مقدمة عرضه المطول لمحاضرته التي حملت عنوان”القيود السياسية على التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط” والتي نُظمت بشراكة مع “مركز البحوث الدولية”، خاض هشام العلوي في الشأن الاقتصادي والسياسي لدول الخليج وأنظمة حكمها والتي وصفها بـ”الأنظمة التي تعمل على تكريس فجوة بين الواقع والتطلعات”.

وفي مداخلته ناقش الباحث الأكاديمي الديناميكيات الاقتصادية المعقدة والعقبات التي تحول دون تحقيق نمو مستدام في الاقتصاديات ذات الطبيعة الثنائية مثل المغرب، مشيرًا إلى عدة عوائق رئيسية تعترض طريق التطور الاقتصادي في المغرب. ومن بين هذه التحديات، بحسب طرحه، الاعتماد المفرط على صناعات منخفضة الإنتاجية مثل السياحة والبناء، وضعف القطاع الخاص الذي يعاني من تراجع الدعم الحكومي والاستثمار الأجنبي المتقلب، بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى مشكلة الاقتصاد غير المهيكل، والريع الواسع الانتشار، مفسرا ذلك بـ”ضعف سيادة القانون وعدم استقرار حقوق الملكية، مما يعيق النمو الاقتصادي المستدام”.

المغرب بقعة مضيئة ولكنها مريضة

وعدد هشام العلوي، أسباب “مرض النموذج المغربي” إذ كشف أنه على الرغم من وجود كم هائل من رأس المال البشري، تفشل الخطط الاقتصادية في تحفيز نمو مستدام، وذلك بسبب “انتشار اقتصاد الريع، نتيجة ضعف سيادة القانون وتقلبات حقوق الملكية وقلة الثقة في الحكومة، مع استفحال آثار القمع السياسي والفساد المنظم”، حسب تعبيره.

وتابع الباحث أن القطاع الخاص في المغرب ضعيف، ويعاني من قلة الدعم الحكومي وتفاوت الاستثمار الأجنبي، فيما يعتمد المغرب على الصناعات ذات الإنتاجية المنخفضة، مثل السياحة وقطاع البناء.

وبينما أشاد المحاضر بالنجاحات التي حققها المغرب في بعض القطاعات مثل الطاقة المتجددة والاتصالات وهندسة الطيران، حذر في الوقت نفسه من أن هذه “جيوب التميز” قد لا تكون كافية لتحويل الوضع الاقتصادي العام في البلاد بدون إعادة النظر في العقد الاجتماعي الحالي.

وقال هشام العلوي في هذا الصدد: “إن النجاح الاقتصادي الشامل في المغرب، وفي ظل النظام السياسي الحالي، يُنظر إليه على أنه تهديد للنظام القائم، مما يخلق حالة من الجمود الاقتصادي والاجتماعي، وأن المغرب لن يتجاوز ذلك إلا بإقرار تعاقد سياسي بين الشعب ونظام الحكم متقدم (الملكية البرلمانية) بالإضافة إلى نخب سياسية ذات مصداقية”.

وفي جزء من محاضرته، تطرق المحاضر إلى ضرورة التوسع في شبكات الأمان الاجتماعي لجلب الجميع إلى القطاع المهيكل، وهو ما سيعزز، بحسبه، الإنتاجية الاقتصادية. ومع ذلك، أشار إلى أن النجاح في هذا المسعى يتطلب تحسين سيادة القانون وإدارة الموارد بشكل فعال، وهو تحدي كبير في ظل الظروف الحالية.

وأكد المتحدث ذاته على أن المغرب، بالرغم من العقبات، يمتلك القدرة على تحقيق تقدم ملموس إذا ما تم تبني سياسات شاملة تعالج القضايا الجذرية التي تعيق النمو، ووصف الوضع الاقتصادي في المغرب بأنه “سقف زجاجي” يحد من إمكانيات الأفراد والحكومة على حد سواء، مشيرًا إلى الحاجة الماسة لإجراءات إصلاحية جريئة تتجاوز الحلول السطحية.

الخليج و”وهم النهضة الاقتصادية”

وبخصوص الوضع في دول الخليج، قدم الباحث تحليلاً مقارنًا بين أنظمة الحكم في دول الخليج ودول شمال أفريقيا، وخلص إلى وجود الفجوة بين الواقع والتطلعات في المنطقة، إذ أشار إلى أن الانظمة في الخليج، التي تعتمد بشكل كبير على البترول، والتي تمتلك موارد مالية ضخمة، لا تواجه نفس التحديات التي تواجه الأنظمة في شمال أفريقيا، حيث تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

وأكد المحاضر على أن تقدم الاقتصاد في دول الخليج يُعرقله عدم التطور في النظم السياسية وأن ما يتم ترويجه من تقدم اقتصادي “وهم فقط” وسيبقى كذلك إذ بقيت هذه الأنظمة أوتوقراطية تحجب الفرص وتحافظ على الطبقات الوسطى ضعيفة وعاجزة عن تحقيق التغيير.

وأشار الباحث بهذا الخصوص، إلى أن التحديات الرئيسية التي تنتظر هذه الأنظمة، تتمثل في تحويل النظم السياسية إلى أنظمة ديمقراطية وشفافة تسمح بتوسيع دور الطبقة الوسطى وتشجيع التنمية الاقتصادية المستدامة. ومن ثم، يرى أن النجاح الحقيقي للتنمية الاقتصادية في المنطقة يتطلب إصلاحات جذرية في النظام السياسي، على حد قوله.

شارك المقال على :